+ A
A -

وسائلتي صغيرتي: أصحيح ما يقولونه في التلفاز أن الكتاب خير صديق؟
فأجبتها: إذا صدقنا جدلية أن الكتاب خير صديق أو خير جليس في الزمان.. فعلينا أن نصادق على أن كثيرا ما يكون هناك أصدقاء سوء كما تكون هناك كتب أسوأ وأضل سبيلا، نتوسل نهايتها كما تتوسل الزوجة الطلاق أو الخلع من صديق العمر.
وطوراً، يكون الكتاب مجرد صديق عابر، دافعنا لقراءته محض فضول، كجليس القطار، يفضي إليك بقَصَص من صفحات حياته، تثير نهمك للحشرية وتحسبها لو ظمآن ماء، بيد أنك لو حللتها لَبَان لك تلوثها وعدم صلاحيتها للشرب من نبعه.
وقلّ من لديه حاسة النقد ليعرف كيف يروز ويختار ويميز الغث من السمين.. والسقيم من الصحيح.. لذا فالعوام الذين يجهلون النقد، يرتاحون للنقض وهو هدم فكرة القراءة برمتها واهمين شَنآنهم عن القراءة، بيد أنك لو شئت الدقة لوجدتهم كسلا عن تكبد عناء البحث عن صحف تسحق لقب صديق ممتع ومفيد، فاستعاضوا برفقاء بشريين على علَّاتهم عوضاً عن أصدقاء من الورق.
ويقول جل جلاله في محكمه: ?وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّ‌سُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى?، لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا?. وأكم من مرة نقرأ، فنعض على أصابع الندم، لإهدارنا من أعمارنا في الاطلاع على غثاء.
فالعثور على كتاب ممتع ومجدد، لا يعبث بوقتك وفكرك أمرٌ نادر، كالبحث عن صديق صدوق، مفيد، نافع وظريف.
وحين بادرتني ابنتي بسؤالها الثاني عما لو كنت أفضل الكتاب الطويل أم القصير؟
قلت: لو مفيد وممتع فأحبه مسترسلاً.. أما لو مفيد دون إمتاع، فأفضله مختصراً.. بيد أنه لو ممتع دون فائدة، فليته مقتضباً.. لأن كثيرا ما يكون الكتاب كاللص الشريف، يسرق وقتك ويجعلك تدفع الفاتورة من جيوب عمرك.. ثم لا يقام عليه الحد.
وعزيزة هي الكتب التي تطالعها فتحتفظ بحصة منها لباكر، كحال الأطفال مع السكاكر، لتعطي طعما لغدك ومذاقا منعشا لأيامك.
وليس بالنزر أن صارت قراءاتنا نكرات وأشبه بالمطالعات أو التصفح المعروف بالـ«سكيبينج»، أما الكتب المعروفة بالإضافة، العمق، النفع، الأصالة والإبداع فنادرة هي، رُغم قدرتها على رفع هرمون السيروتونين المعروف بهرمون السعادة مثلها مثل الرياضة والحب والشوكولاتة وبعض الأغذية الغنية بمادة التيربتوفان.
وربما لا تكون تلكم الكتب نادرة.. ولكن يقيناً وقوعها تحت ناظرينا ليس باليسير.
ومنذ أسبوع زرت مكتبة «جرير» ومن ضمن ما ابتعت، كتابان «جعجعة بدون طحن» و«الملك لير».
الأول له حظ من اسمه، حتى أني بدأت أشعر بأعراض إعراضي عن المسرحية، تأففاً من سطحية الطرح الشبيه بأفلام المقاولات.. والثاني ضالتي.
وما أن بدأ إفراز السيروتونين وأوشكت على الانتهاء من جل الكتاب في سويعات.. وإذ بي أفقده حتى أني مذ الصباح وأنا أبحث عنه.. حتى صار فعلاً لا مجازا ضالتي!
استشكلت مع أهل الدار، فمنهم من عظّم القسم ومنهم من قلقله، بأن لا علاقة لهم بالفقيد.. فقلبت المكان عَقِباً على عقب دون جدوى.
فتساءلت: لمَ يضيع منا النافع ويتركنا حزانى دون سلوى؟.. ولمَ تبقى الجعجعة على أنها دون طحن؟!
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
20/08/2016
2170