+ A
A -
من الناس من يغالون في الزهد والتزمت وادعاء الورع، فيكشفون بذلك عن التكلف السمج والرياء الذي يبطل العمل، وثواب العمل، ويكون الهدف منه التقرب من الخلق لا التقرب من الخالق، وهم من قال عنهم الله عز وجل في كتابه الكريم (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) وكان الامام «احمد بن حنبل» رحمه الله يستعيذ من خشوع النفاق، كما يستعيذ من الشيطان، وجاء في كتب الادب قصص كثيرة عن أمثال هؤلاء الذين يظنون ان رياءهم غير مكشوف، وان من حولهم معجبون بصفاتهم ومبهورون بها، إذ يروى أن رجلا سرقت نعاله، ولما عاتبوه على سيره حافيا مع قدرته على شراء نعال جديدة قال: «خشيت أن أشتري نعالا فيسرقها أحد، فيقترف بذلك إثما، فأكون قد أسأت اليه وحملته ذنبا دون أن أقصد» وظل يمشي حافيا حتى مات، وروي عن آخر انه قال لجلسائه متفاخرا: «أفطرت البارحة على رغيف وزيتونة ونصف، أو زيتونة وثلث، أو زيتونة وربع، أو ربما زيتونة أخرى.. لقد سهوت في تقدير العدد وأخشى ان أكون كاذبا فالله أعلم» ورد عليه أحد الحاضرين في المجلس: يا هذا كفاك سخفا، فقد بلغنا ان من الورع ما يبغضه الله، واظنه ورعك هذا! وذكر الأعمش وهو من التابعين أن صاحبا له جاءه رجل يطلب النصح وقال له: دلني أيها الشيخ على طعام اذا أكلته أمرضني، فقد استبطأت العلة، وأحببت أن امرض ليكون لي أجر في البلية.. فقال له الشيخ: سل الله العافية، واحمد ربك على النعم، فإن من شكر النعمة كمن صبر على البلية، لكن السائل لم يقتنع وظل يلح ويلح حتى ضاق الشيخ به ذرعا وقال له: «أما وقد أبيت الا ان تطلب العلة، فكل سمكا بائتا، وأكثر من شرب عصير الزبيب، ثم تمدد ونم تحت الشمس، واستمرض عسى الله ان يمرضك» وتذكر الكتب ان رجلا ذهب إلى ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وسأله عن بعوضة قتلها فهل عليه دية ام لا؟ فرد ابن عمر: «سبحان الله، يا أهل العراق تقتلون ابن رسول الله وتسألون عن دم البعوض... وقبل هذه الحادثة بسنوات سمع سيدنا عمر بن الخطاب رجلا يمشي في السوق وهو يحمل تمرة في يده وينادي عن صاحبها الذي أضاعها، فما كان من عمر رضي الله عنه الا ان ضربه بالدرة «سوط صغير» وقال له: دعك من هذا الورع الكاذب.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
28/08/2016
2487