+ A
A -
بشَرت دولة غربية كبرى العالم بنيتها استقبال عشرة آلاف لاجئ سوري هذا العام. وأقامت سفارتها بالعاصمة الأردنية عمان، حفل استقبال على شرف بضع عائلات منتقاة من بين المشمولين ببرنامج اللجوء. يتابع المرء هذه المشاهد بخليط من المشاعر المتناقضة؛ في جانب منه، يفرح لخلاص سوريين من جحيم الحرب وويلاتها.. وفي جانب آخر، تصيبه المرارة، لأنه يعلم علم اليقين أن هؤلاء اللاجئين للبلاد البعيدة لن يعودوا إلى وطنهم سوريا.. هي على الأرجح رحلة دون عودة.
ولعل في الصورة ما يغيظ النفوس حقا. هل يعقل أن مأساة إنسانية كمأساة السوريين، تتحول إلى مادة علاقات عامة لتبييض سمعة الدول الغربية؟ هذا ما يحدث بكل أسف؛ فعديد البعثات الدبلوماسية تتسابق على الإعلان وبتفاخر عن نية بلدانها استقبال اللاجئين السوريين في مسعى للتخفيف عليهم وعلى دول الجوار السوري التي تحملت العبء الأكبر للجوء.
إنها لمفارقة كارثية بحق،حين تتحول مأساة شعب لبضاعة سياسية تتاجر بها الدول لإبراز وجهها الإنساني.
حتى سنوات قليلة مضت كان اللجوء حول العالم عملا مضنيا، يفرض على طالبيه المرابطة لأيام على أبواب السفارات. لكن في الحالة السورية، ظهر صنف جديد من اللجوء، على عكس ما كان معروفا؛ فمقابل عشرات الآلاف من السوريين المحتشدين على حدود دول اوروبية، طورت سفارات غربية برنامجا للجوء يمكن وصفه، بلجوء خمس نجوم، تقوم الدول الغربية بموجبه باختيار عينات منتقاة من مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان، وترتب سفرهم على متن رحلات خاصة إلى أميركا وكندا وبعض دول أوروبا.
ويخضع هؤلاء كما لو أنهم مهاجرون عاديون، لاختبارات أمنية ودينية واجتماعية للتأكد من قدرتهم على التكيف بالمجتمعات الغربية، ومدى حاجة أسواق العمل لتخصصاتهم.
ويجري تسويق هذا الأمر على أنه مساعدة إنسانية من تلك الدول للاجئين السوريين.
ثمة وجه آخر للمسألة أكثر خطورة، إذ أن وضع برامج لتهجير عشرات الآلاف من السوريين إلى بلدان غربية، يعطي الانطباع بأن هذه الدول لا تفكر بإمكانية حل الأزمة في سوريا، ولا تنوي العمل من أجل ذلك. ولا ترى فيما يحصل في سوريا سوى أزمة إنسانية وليست سياسية، ويمكن حلها بشمول السوريين بعطف هذه الدول وتحويلهم إلى لاجئين مدى الحياة.
وفي جانب آخر تبدو مثل هذه «الرحلات الإنسانية» المنظمة، بمثابة تحفيز لباقي السوريين لترك بلادهم والسعي للحاق بأقرانهم اللاجئين.
ما يزيد عن ستة ملايين سوري هجروا بلادهم لغاية الآن، مليون منهم قصد أوروبا ودول أخرى بعيدة، بينما يعيش الملايين في دول الجوار بظروف صعبة. وهناك ملايين تركوا بيوتهم داخل سوريا ويتحينون الفرصة لمغادرة البلاد، إذا ما تيسر لهم ذلك.
وإذا ما استمرت الحرب على نفس المنوال، فإن سوريا ستصبح بلادا مهجورة في غضون سنوات قليلة.
تبني الدول الغربية لبرامج تسهل هجرة السوريين، ما هو إلا دليل على عجز القوى الكبرى عن حسم الأزمة في سوريا، وتخليص السوريين من ويلات الحرب، وتثبيت أقدامهم على أرضهم.
صحيح ان اللجوء على المدى القصير، يعين السوريين على تجاوز ويلات الحرب، ويخفف عليهم مشاق الحياة.. لكنه على المدى البعيد يمثل خطرا كبيرا على هوية سوريا وشعبها، ويتحول إلى جريمة لا تقل بشاعة عن جرائم الحرب نفسها؛ تهجير شعب عن وطنه بحجة حمايته، بدلا من مساعدته على التخلص من أسباب اللجوء، والبقاء على أرضه.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
01/09/2016
2511