+ A
A -


تتعدد مفاهيم النجاح، وليس المقال بصدد تعريفه، فكلٌ بنى رؤيته ومفهومه حول هذا المصطلح الواسع والبرّاق تبعًا لنظرته للحياة، وطموحه فيها، وأولوياته، واحتياجاته للتعبير عن وصوله لمرحلة حقق فيها «ذاته المصونة» أو «أنا» الخلّاقة بكل رضا وقناعة وسعادة أو بنسبةٍ معقولة منهما. فيقول مثلا: «تشرفت بعد جهد طويل وببالغ السعادة بتحقيق النجاح وأن أصبحَ سفير النوايا الحسنة في بلدٍ كلهُ سيئات».

وقد يسعى البعض مقارنة مفهومهم للنجاح بغيرهم، وقد يستخدمون مُقلدين الأدوات نفسها؛ للوصول إلى هدف مشابه أو هدفٍ آخر، حتى لو كانوا يعيشون في بيئتين متعاكستين، قيمًا وثقافة. وهذا أمرٌ يحتاج إلى إعادة نظر، فالنجاح الإعلامي المزيّف بسبب ما حققه جاستين بيبر وكيم كارداشيان من شهرة في المريخ كمثال، لا يعني أن نسختهما العربية ستنجح فعليًّا. وإن نجحت، في ظروف ضيقة، سيكون من أجل خلق نكتة جديدة وأضحوكة غبية تُلاك، فتُصبح مُستهلكة، وبلا قيمة، خاصة مع ازدياد الوعي مجتمعيًّا. وبات الناس قادرين على التمييز بين الغث والسمين. إذن في هذه الحالة، من الجيد بمكان، أن يرسمَ كل شخص يبحث عن النجاح شخصيته التي ينفرد بها، بعيدًا عن التقليد، وإن كان ولابُد فعليه تجنب المحاذير حين التقليد والنسخ واللصق من آخرين.

ومع تفهّم الكثيرين أن ما قد يراه سينٌ من الناس طُموحًا عظيمًا يستحق التضحية، قد يعدّه آخر هدفًا مجنونًا وتافهًا. إلا أن بعض الآباء - هداهم الله- أبَوْ إلا أن يكونوا حَجَر عثرةٍ أمام مستقبل أبنائهم، فمازالوا هُم من يرسمون الطريق لأبنائهم، وبكل منعطفاته، دون أدنى مجالٍ للنقاشِ أو التوضيحِ أو التبرير؛ بحجة أن يطمئنوا على مستقبلهم وأنهم أخبر وأعلم وأفهم! دون أن ينتبهوا أن اطمئنانهم شكليّ، بينما أبناؤهم يتقلبون مع طموحاتهم الحقيقية بين حلم ويقظة غير هانئين ولا قاريّ العين. وغالبًا وللأسف الشديد وكنتيجة طبيعية يجد الآباء أبناءهم عالقين في منتصف الطريق، فاشلين أو متأخرين أو متذمرين. فمتى يفهم هؤلاء أن لكل إنسانٍ مطلقُ الحريّة في اختيار طموحاته، وبذات الوقت، يبقى إرشادهم وتقويمهم واجبا ومسؤولية؟

وفي الجانب الآخر، لا يمكن إجبار أي طرف - بغض النظر عمّن يكون- الاقتناع بشكل كليّ أو جزئي أن النجاح الذي تطمحُ إليه (أنت أو أنا أو هو أو هي) هو الأفضل والأرقى، أو الأسمى والأشرف.. إلخ، كما حان الوقت لنَفهم، أن تقييم طموحٍ ما أو السعي نحو نجاحٍ ما، يجب ألا يُقاس بمعايير ثابتة وتقليدية، بالتالي يبقى قرار النجاح بعد الاستخارة والاستشارة متعلقٌا بقناعةٍ داخلية مرتبطة برغبةٍ وقدرةٍ على تحقيق ذلك الهدف.

من هنا سنلاحظ أنه مع تعدد مفاهيم النجاح وأدوات ووسائل الوصول إليه، تتشعب الأفكار والاستنتاجات، وقد يصل البعض إلى مرحلة، يعجز فيها عن تحديد ما إذا كان الأمر الذي يسعى لتحقيقه وبلوغ نجاحه هو أمرٌ صائب يستحق كل ذلك العناء أم لا؟! كما أن الوسائل المستخدمة لبلوغ كثير من النجاحات، تشير بِعينٍ مُشينة أنّ ثلة من البشر أصبحوا يستخدمون مبدأ ميكافيلي: «الغاية تبرر الوسيلة»؛ لتحقيق أهدافهم بغض النظر، عن مدى شناعتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، مع وجود 6 مليار رأس (آدمي) تقريبًا على وجه البسيطة، وتساقط كثير منها بسبب الآفات والأهوال الطبيعية، تبقى الحروب والمعارك الطاحنة وحملات الإبادة، - التي تترأس أجندة نجاح بعض القيادات- على رأس قائمة طموحاتهم وأهدافهم المُخزية. أولئك يعدّونه نجاحًا ساديًّا بينما نحن كبشر إنسانيين نعتبره فسادًا وسَفاحًا.

.. وللحديث تتمة.

بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي

copy short url   نسخ
09/04/2016
2309