+ A
A -
‏(أ)
خرجا من نفس البطن.
الفارق بينهما: خمس دقائق.
شربا نفس الحليب.
عاشا في نفس الحيّ: يتنفسان نفس الأكسجين، ويلفحهما نفس الهواء.
لعبا الكرة مع نفس الفريق.
دخلا مدرسة واحدة، وقرآ نفس الكتب.
توارثا نفس العادات والأعراف السائدة.
لم يُفرّق والدهما بينهما في أي شيء: في توقيت واحد يعطيهما نفس المصروف، ويشتري لهما نفس الملابس وبنفس الكمية.
لهما نفس الملامح، ويحدث أن أحدهما يلبس ملابس توأمه وهو يظن أنها ملابسه.
ورغم كل هذا: هما مختلفان تماماً!
ما الذي حدث؟... لماذا أصبح أحدهما أقرب إلى الخير، والآخر أقرب إلى الشر؟
الأول: لطيف ومتسامح، والآخر: أقرب إلى الهمجية والعنف.
هل الفرق يكمن في الدقائق الخمس؟!
هل الاختلاف بدأ بإحساس الأول بتميّز الخروج المبكر إلى العالم، وبشعور الفقد والوحشة- ولو لخمس دقائق- عند الآخر؟.. أم هي بالامتيازات التي منحتها هذه الدقائق الخمس للأول حيث إنه ومنذ طفولته- في مجتمعه التقليدي- يُنادى والده باسمه أبو فلان.. وشعوره بأنه الأكبر وما يمنحه هذا التقدم في العمر- ولو لخمس دقائق- من هيبة ومسؤوليات.
حسناً.. سنلغي الدقائق الخمس، ونتحدث عن توأم سيامي: وُلد بجسد واحد له نفس الأعضاء ونفس القلب ولكنه برأسين مختلفين.. يختلف هذان الرأسان- أحياناً- على لون القميص الذي يجب أن يغطي هذا الجسد الواحد!
ما أسباب الاختلاف هنا؟.. هل هو العقل؟
رأسان، في جسد واحد، كلاهما: عاشا بنفس الظروف، واستقبلا نفس الأشياء.. ولكن، لكل منهما عقل مختلف.. يختلف تعامله مع هذه الظروف، وشكل وطريقة استقباله للأشياء التي تصله.
عقل يقبل نفس الأشياء كما هي.
وعقل آخر «يفلترها» ويسألها: لماذا أتت بهذا الشكل؟
عقل يقبل الحقائق كما وصلت إليه وبشكل نهائي لا يقبل الجدال والسؤال.
وعقل يحاول أن يتأكد من حقيقة الحقائق النهائية!
الدقائق الخمس تقول: إنه فارق التوقيت، والتوأم السيامي يقول: إنه فارق التفكير.
(ي)
إذا كان هذا التوأم له عقل وأفكار، وآراء، وتعامل مع الأشياء حوله، تختلف عن عقل توأمه الذي يملك نفس الجينات، وعاش معه بنفس الظروف، فما بال هذا المجتمع الذي أراه في كل ضجة يملك عقلاً واحداً، وتحركه فكرة واحدة؟!
هذا التوأم السيامي؛ له جسد واحد وعقلان مختلفان..
أما هذا المجتمع فله: مليون جسد وعقل واحد!

بقلم : محمد الرطيان
copy short url   نسخ
15/09/2016
3624