+ A
A -

هناك عدد من الدراسات والأبحاث التي تقوم بها جهات عالمية مختلفة بغرض مقارنة مدن العالم من حيث الظروف المعيشية أو من حيث تكاليف المعيشة أو نسب التلوث أو حتى نسب الأمن والأمان والاستقرار السياسي إلى آخره.



فاذا أردنا ان نعرف أي مدن العالم توفر حياة أو معيشة مناسبة وميسرة لقاطنيها، فما علينا الا اللجوء لمثل هذه الدراسات والمؤشرات. واحدة من أشهر هذه الدراسات صدرت في الثامن عشر من أغسطس (اب) وتنتجها وحدة «الإيكونوميست» للمعلومات والاستخبارات الاقتصادية. تسعى هذه الدراسة إلى تحديد أكثر مدن العالم سهولة أو «ملاءمة للعيش» GLOBAL LIVABILITY INDEX من خلال مسح لـ 140 مدينة في جميع أنحاء العالم وأخذا في الاعتبار حوالي 30 عاملا يتعلق بعضهم بالأمن والسلامة في المدينة والبعض الآخر يوضح كفاية الرعاية الصحية والموارد التعليمية والبنية التحتية وكذلك بعض العوامل البيئية. ومن ثم أصدرت الدراسة هذا المؤشر الذي يرتب المدن من حيث توفيرها لأفضل الظروف المعيشية.
مدينة «ملبورن» الأسترالية تتصدر القائمة للعام السادس على التوالي. تليها مدينة فيينا النمساوية، فانكوفر وتورونتو وكالجاري (ثلاث مدن كندية) تكمل قائمة الخمس الأوائل. بعدها تأتي ثلاث مدن في المراكز من السادس إلى الثامن قد لا يسمع عنهم القارئ العربي. اثنتان في استراليا (ادليد وبيرث) والثالثة اوكلاند في نيوزيلاندا. وتختتم قائمة العشر الأوائل بمدينتي هلسنكي في فنلندا وهامبورغ في ألمانيا. وهكذا تتقاسم أستراليا وكندا ستة من المراكز العشرة الأوائل وتنضم لهم نيوزيلندا ليكون نصيب العالم الجديد سبع مدن وتبقى في القائمة ثلاثة مراكز فقط قنصتها القارة الأوروبية العجوز. ولكن واضح أن المدن التي تصدرت الترتيب لهذا العام 2016 هي المدن متوسطة الحجم وفي البلدان الأكثر ثراء والتي تقع في العالم الجديد. وهكذا تخرج كل مدن الولايات المتحدة الأميركية وجميع مدن الصين وروسيا وكذلك مدن الاقتصادات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية وبالطبع مدن دول منطقتنا الشرق أوسطية والقارة الافريقية السمراء من هذه القائمة القصيرة.
ولذا أثارت هذه القائمة عندي عددا من التساؤلات الخاصة بكيفية تصميم المؤشر وحساباته. وحينما تمعنت أكثر وجدت انه يفتقر للتنوع فيما يخص بأذواق وتفضيلات سكان المدن. فعلى الرغم من التركيز على النواحى المادية للمعيشة وحياة البشر ولكن المؤشر لا يأخذ في الحسبان الاختلافات الخاصة بنوعية هذه الحياة أو كيفية المعيشة وكذلك نوعية وحجم التفاعل الاجتماعي داخل المدن. ولقد تابعت أيضا وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات الخاصة بهذا المؤشر فوجدت رسائل وتعليقات من زوار هذه المدن التي احتلت المراكز الأولى وفي احيان كثيرة من ساكنيها أيضا وكلهم يؤكدون على انتقادي الرئيسي ألا وهو ان هذه المدن رغم كفاءة بنيتها التحتية ورغم انها ملاذ لمن يفضلون الطبيعة الخلابة والبيئة النظيفة الا انها لا توجد بها حياة اجتماعية فاعلة كالتي توجد في المدن العالمية التقليدية مثل لندن وباريس ونيويورك. فعلى سبيل المثال أحد سكان ملبورن يعلق على احتلالها قمة القائمة بقوله «كيف ملبورن وانت بعد التاسعة مساء لا تجد أحدا في الشارع؟» وآخر يقول «انه عدا شارع واحد أو اثنين لا توجد حياة اجتماعية في هذه المدن». آخر يعلق «ان حتى المدن الأوروبية في القائمة مثل هلسنكي وفيينا هي من اقل المدن الأوروبية حيوية وحياة».
ولذا أخذت في البحث عن مؤشر أفضل يتلافى مثل هذه الانتقادات المبررة ويكون أكثر شمولية وعمومية. وسرعان ما وجدت ضالتي في مؤشر تم إصداره أيضا الشهر الماضي وهو مؤشر «المدن المستدامة» بواسطة مؤسسة ARCADIS لعام 2016. وهذا المؤشر يقوم بترتيب لأفضل مائة مدينة على مستوى العالم من حيث الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. وسأقوم بعرضه تفصيليا الأسبوع القادم محاولا تحديد ترتيب مدننا المشهورة من خلال هذا المؤشر الجديد.
بقلم : د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
21/09/2016
2665