+ A
A -
توقفت عملية تطبيع العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة عن الدوران. فالعقبة التي تواجهها هي موضوع التعويضات المالية. تتناول هذه التعويضات من الجانب الأميركي الأملاك التي تمّ تأميمها ومن ثم مصادرتها، ومنها مصاف لتكرير النفط ومصانع لإنتاج السكر ومزارع لقصب السكر، اضافة إلى فنادق وبيوت شخصية ومحلات تجارية عديدة. ويبلغ عدد قضايا الممتلكات الأميركية التي صادرتها كوبا والتي تطالب الولايات المتحدة اليوم بالتعويض عنها، 5913 قضية.
وتقدر قيمتها اليوم بحوالي 8 مليارات دولار. ولا تشمل هذه القضايا حقوق عشرات الآلاف من الكوبيين الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة واكتسبوا جنسيتها والذين يطالبون بالتعويض عليهم بعد أن صادرت الحكومة الكوبية بيوتهم وممتلكاتهم.
تعترف كوبا بالتأميم والمصادرة، ولكنها لا تملك المال للتعويض للإدارة الأميركية، ولا حتى لمواطنيها السابقين الذين تخلوا عن جنسيتهم الأصلية. وبدلاً من ذلك، تطالب كوبا الولايات المتحدة بالتعويض عليها نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها طوال سنوات الأزمة. ونتيجة الحملة العسكرية «خليج الخنازير» التي شنتها عليها، ونتيجة منع الشركات الأميركية من العمل في كوبا ومن التعامل مع الشركات الكوبية.
وتؤكد كوبا ان هذا الحصار الأميركي أدى إلى شلل والى تقويض أركان اقتصادها الوطني مما ألحق بها اضراراً فادحة. وقد قدرت محكمة كوبية حجم هذه الأضرار واصدرت حكماً بمطالبة الولايات المتحدة بتعويضات قدرت قيمتها بما يعادل 181 مليار دولار –مع الفوائد-. الا ان الحكومة الكوبية قالت في طلب رسمي وجهته إلى الأمم المتحدة ان حجم خسائرها وصل إلى 121 مليار دولار فقط. تعترف الولايات المتحدة بمبدأ التعويض. ولكنها تؤكد على انه يجب ان يكون متبادلاً. وتعترف أيضاً بأن ذلك أمر معقد جداً نظراً لصعوبة تقييم الممتلكات الأميركية المصادرة والأضرار الكوبية المترتبة عن الحصار.
وكانت الولايات المتحدة فرضت الحصار على كوبا في عام 1962 رداً على الاجراءات التي قام بها الرئيس فيديل كاسترو في ذلك العام بتأميم شركات النفط الاميركية التي رفضت تكرير النفط الخام المستورد من الاتحاد السوفياتي السابق. أدت الاتصالات والمباحثات التي جرت قبل وبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين واشطن وهافانا إلى تخفيض طلب التعويضات الكوبية إلى 120 ملياراً فقط، والى تخفيض طلب التعويضات الأميركية إلى 8 مليارات دولار. وتحاول الولايات المتحدة الآن اقناع كوبا بطيّ ملف التعويضات جملة وتفصيلاً، بما فيه تعويضات الأميركيين المتحدرين من أصول كوبية، وفتح صفحة جديدة من دون التطلع إلى الوراء.. لإطلاق عجلة التطبيع وتعجيل دورانها بما يخدم الاقتصاد الكوبي ويعيده جزءاً من السوق العالمي.
وفي الواقع فإن قضية التعويضات (الأميركية في كوبا) لم تنتظر تطبيع العلاقات بين الدولتين لمعالجتها. ففي عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش طلبت ادارته في ذلك الوقت من كلية الحقوق في جامعة غريغتون اعداد مقترحات قانونية في اطار تصور عام لمعالجة هذه القضية، وذلك مقابل 375 ألف دولار. في تلك المرحلة لم تكن الولايات المتحدة تعترف، أو حتى تفكر في شيء اسمه التعويضات الكوبية. ولذلك باءت محاولة إدارة الرئيس بوش بالفشل. ومن غير المتوقع ان يتم التفاهم على التعويضات المتبادلة في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما الذي تنتهي ولايته الثانية في الخريف القادم. وهذا يعني ان ملف هذه القضية الشائكة سوف يورث إلى الإدارة الأميركية المقبلة. من هنا القلق من أن يتحول هذا الملف إلى قنبلة موقوته قد تفجر العلاقات الكوبية – الأميركية من جديد اذا ما وصل إلى الرئاسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. فهو لا يؤمن بأن لكوبا أي حق في التعويض من الولايات المتحدة. كما انه يدعو علناً إلى اعادة الكوبيين الذين تأمركوا إلى بلادهم مرة أخرى بحجة انه لم يعد من مبرر لهجرتهم.. وان الولايات المتحدة تضيق ذرعاً بالمهاجرين من دول أميركا الجنوبية وخاصة من كوبا والمكسيك. مهما يكن من أمر، فإن تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين كوبا والولايات المتحدة لا يزال معلقاً إلى أن تتم تسوية قضية التعويضات. وكل ما حدث حتى الآن هو استئناف العلاقات الدبلوماسية بإخراج اعلامي مثير يستجيب لطموحات الرئيس أوباما.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
22/09/2016
2647