+ A
A -
بين ليلة وضحاها استيقظ العالم على معركة سياسية حادة بين كل من موسكو وواشنطن حول تسوية الوضع في سوريا، حيث تبادل الطرفان توجيه الاتهامات بالمسؤولية عن فشل الهدنة في حلب الشرقية، ومعه انهيار الاتفاق الذي كانا قد توصلا إليه من قبل كأحدث خطوات التمهيد الضرورية للتوصل إلى تسوية سياسية طال انتظارها.
حدة الانتقادات المتبادلة واللغة العدائية التي عبرت عنها من جانب كل منهما لم يسبق لها مثيل منذ نهاية الحرب الباردة. فمن تابع ما جري من تراشق بدا وكأنه إطلاق متبادل للرصاص بين المسؤولين السياسيين بل والعسكريين من الجانبين خلال الأيام القليلة جدا للهدنة المزعومة، وبعدها مباشرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 71. ثم انتقلت كرة النار إلى مجلس الشيوخ الذي لم يتردد زعمائه عن توجيه الاتهام لإدارة أوباما بالفشل في مواجهة السياسة الروسية في سوريا.
وواقع الأمر أن انقلاب القوتين العظميين على بعضهما البعض كانت له شواهده المسبقة بما ينذر حقا بالفشل، ولكن اللغة المفرطة في الجدية التي كان يتحدث بها كل من الطرفين رسخت الانطباع بأن انفراجا مهما في الطريق. إلا أن ما كان مرجوا لم يحدث.
لقد تعددت الخروقات من جانب قوات الجيش السوري وقوات المعارضة، وقصفت قوات التحالف الغربي بالخطأ موقعا للقوات السورية في محيط مطار دير الزور، وتعرضت قافلة المساعدات الإنسانية للقصف وهي في طريقها إلى المحاصرين وتم توجيه الاتهام للطيران الروسي وطيران الجيش السوري. وكانت الأسباب الثلاثة كافية لإعادة الحل السياسي إلى غرفة الإنعاش إن لم يكن قد مات إكلينيكيا.
ولكن اتضح سريعا في ضوء ما ترتب من تداعيات لهذ الفشل الأمني أن الأسباب غير المباشرة هي أصل الداء. كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن في قمة العشرين التي استضافتها الصين أن ما يعوق التوصل إلى حل سياسي في سوريا هو انعدام الثقة بين كل من واشنطن وموسكو. قال ذلك بينما كان وزير خارجيته منهمكا مع نظيره الروسي في التوصل إلى الاتفاق المنقذ.
ثم توالت سريعا أجراس الإنذار. فما كاد الاتفاق يري النور حتى خرج علينا وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر معلنا رفض البنتاغون للاتفاق متهكما على زميله وزير الخارجية بأنه يريد أن يصنع لنفسه مجدا شخصيا بهذا الاتفاق. وكان جوهر الرفض هو أن البنتاغون لن يسمح بكشف خططه العسكرية في سوريا كما يقضي الاتفاق.
وسط التطورات السابقة شعرت واشنطن أن موسكو قد وضعتها في الزاوية ومن ثم عليها أن ترد بخشونة على الاستخفاف الروسي بالدور الأميركي في سوريا حيث أن فشل الهدنة ومن ثم انهيار الاتفاق يعني فشلا للدور الأميركي، ولذلك خرج المتحدث باسم البيت الأبيض ليقول إن واشنطن مضطرة لأن تعيد النظر في تعاونها مع موسكو في مسار الأزمة السورية، وراح كيري في الجمعية العامة يكيل الاتهامات لموسكو لمسؤوليتها عن قصف قافلة المساعدات وردت موسكو بالنفي بل وتوجيه الاتهام لواشنطن في القضية!
ما جرى هو أن إدارة أوباما أرادت تحقيق إنجاز سياسي كبير في سوريا دون أن يرتكز مبدئيا على تحقيق انجاز عسكري حاسم لأنها لم ترد أن تدفع الثمن وراهنت على أن حلفاءها على الأرض وإقليميا يمكن أن يقوموا بهذا الدور ويدفعون هم الثمن، بينما فعلت روسيا العكس وامتلكت المبادرة مبكرا واختارت العمل على تحقيق حسم عسكري أولا يفضي إلى حل سياسي يلبي مصالحها. وقد يبدو هذا الخيار مجديا لروسيا على الصعيد الآني ولكن على المدى الطويل يأتي بنتائج عكسية لأنه يجعلها تغرق في المستنقع السوري بكل مشاكله وتحدياته وهي لا تقوي على أن تدفع الثمن طويلا. هنا خيار العودة للمفاوضات يظل قائما بغض النظر عن الفشل الراهن، ولكنه يحتاج إلى إدارة أميركية أخرى.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
01/10/2016
2584