+ A
A -
اليوم أكتب وعامنا الهجري في أيامه الأخيرة، ولعل مصطلح الأيام الأخيرة يبدو مؤلماً على السامع لارتباطه بمعنى الرحيل والنهاية الحياتية، ولكن ماذا لو ربطنا المصطلح بأن بعده بداية علينا أن نفكر بأبجدايتها وكيف سنجعلها أفضل، قد يبدو الكلام سهلاً والكتابة في الأمر سلسة والتطبيق صعب وإدارة ذلك على حياتنا مُرهق، لا بأس دعونا نعقد مقارنة؛ فمن الصعب أن تنوي السفر دون أن تتزود بما تحتاجه لهذه الرحلة سواء كانت طويله زمنياً أو بالكاد مدتها تطول لساعات فقط ففي كل الأحوال سترافقنا حقيبة السفر وبعض من المستلزمات الضرورية من ملابس وأدوات زينة، كتاب وحذاء وأدوات شخصية وبعض من حاجيات لا غنى عنها أو أدوات تتحملها حقيبة ترافقنا يداً بيد أو من عدد محتوياتها نضطر لإيداعها مكاننا يتحمل وحشة المكان وقرب الأغراب، بكل الأحوال سنصل نحن وإياها في التوقيت ذاته تقريباً، ونبدأ بفتحها وإخراج ما فيها ومع انتهاء الرحلة نغلقها بعد أن ابتلعت حاجيات أكثر أو تخلصت من حمل زائد ونعود أدراجنا وإياها، أحياناً نضطر لاستبدالها بأخرى اكبر أو افضل، مسكينة أنت أيتها الحقيبة تحملين ما ينوء عن حمله كاهلنا وتُشبعين فينا راحة عضلية ولو لبعض حين، تتعرضين للدفع والوقوع والأجواء المزعجة وللركلات المؤلمة ويجاورك من يكون مُسخراً لأذيتك وتصبحين متسخة بعد أن كنت في افضل حال وأجمل حلة، يتمزق رداؤك الجميل فتخشين على ما تحملين من أن ينكشف على المارة ويُكسر جانب منك ورغم ذلك تُسحبين بلا هوادة تجوبين الدول بلا جواز سفر شئت أم أبيت وتتحملين الأجواء المرهقة رغبتِ أم رفضتِ ولن يكون لك خيار في اختيار المكان الذي تذهبين إليه لتستقري أو تزوري فقط، أحدهم سيتركك متسخة لأيام ليتولد لديك شعور بالازدراء أو سيوليك اهتماماً يوازي اهتمامه بنفسه، لا تستغربي إن كان وجودك أحياناً سبباً لحالة استنفار من المحيطين أو سيكون النظر إليك سروراً للناظرين، ربما تحملين اسماً صنعت به وعلى أساسه تُحترمين وربما تعاملين كما يُعامل السيد في محيطه على أساس هذا الاسم الذي لم يكن باختيارك، سيضعك البعض في صدر المجلس متفاخراً بك أو ستقبعين في مخزن مظلم وبارد لحين يسافر بك مالكك، ستُهرولين دون اختيار بين أروقة المطارات أو ستسيرين بهدوء بيد من اختارك جزءاً من ترفه الشخصي، آه يا حقيبة السفر كم تحملين بين جنباتك فرحاً بالرحلة أو ألماً لمفارقة المكان وكم ستُرافقين من لا يستغني عنك أو يكون حظك إلى جانب من لا يقدر قيمتك.
إذا الحديث آنفاً عن حقيبة السفر ولكن ماذا لو طبقنا ما سبق على أنفسنا وعلى حياتنا، ألا نحمل مشاعر وأحاسيس ونتبنى أفكاراً وقناعات ونبدل رؤى وتوقعات، نتخلص من هواجس ونحتفظ بمكنونات لمرحلة جديدة في حياتنا محتفظين ببقايا من مرحلة سابقة أو نقوم بعملية غربلة للكثير من تلك الأمور العالقة فينا لرغبة أو هدف، ألا تسير أحياناً قافلة حياتنا بالكثير مما لا يستحق أن يكون ضمنها، ألا نجامل في حمل ما لا نطيق أحياناً في رحلتنا فقط لدواعٍ خاصه، ألا نتعامل مع من يقَدر أهميتنا في محيطه أو ذاك الذي يجدنا في محيطه تكملة عدد أو «برستيج» اجتماعياً، هي كذلك بعض الأشياء في حياتنا لها أهمية تعادل الروح في الجسد لأننا نعي ذلك أو بمثابة تحصيل حاصل، ألا تستحق هذه الأشياء أن ننفض الغبار عنها لنحيها بعد سباتها وقبل الممات، إذاً خفف الأحمال في رحلتك وتأكد أن الرحلة لابد أن تكون ملائمة وكلما تقدم بنا العمر اكتشفنا ما الذي علينا إبقاؤه أو التخلص منه تماماً كالانتقال من منزل لآخر ومرحلة عمرية لأخرى، الآن أنا ادعوك لبدء رحلة العام الهجري متوكلاً على الله وواثقاً بنفسك ونافضاً عنك غبار عامٍ سينتهي ولا تنس أن تقوم بعملية الجرد نفسياً وجسدياً لتحافظ على ما استودعه الله لديك «نفسك» وهي أمانة، ودمتم في خير وسلام وعام هجري سعيد للوطن وولاة أمرنا والأمتين العربية والإسلامية ودمتم.

بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
01/10/2016
2655