+ A
A -
ابتسام الحبيل
لعل العنوان يشرح نفسه لمن قرر أن يقرأ سطوري، فكل ما أعطانا إياه الله نعمة وما حبانا به إنما هو لحكمة سواء رضينا أو جاء رضانا متأخراً، فبين النسيان والتناسي تعترينا حالة رضا أو تأفف، بدون شك لا أحد يرغب بنسيان موعد أو رحلة أو مكان غرض لكن أهلا بحالة النسيان إن ارتبطت بحدث مؤلم أو حالة مزعجة فحينها سيكون بالإمكان استكمال الحياة بعد نفض آثار تلك الحالة أو الحدث، بمقابل ذلك وإن كان النسيان نعمة نحمد الله عليها فلا شك أن أكبر النعم التي أنعم بها الله تعالى على بني البشر «نعمة الصبر والتأقلم مع الواقع مهما كانت مرارته» وبأن يقول المرء «قدّر الله وما شاء فعل!...» لكن السؤال الذي يطرح نفسه مع ذلك هو: هل بمقدور المرء بالفعل أن يتحلى بالصبر على كل ما يمرّ به من محن وأن ينسى معاناته تماماً؟... وهل بإمكانه أن يمحو ذكراها المؤلمة من قلبه ومن ذهنه بأن يضع ستارة تحجب ذكرى تلك الأحداث مهما كان ما تركته من أثر في نفسه؟ وهل بإمكانه أن يفتح صفحة جديدة خالية تماماً من ذكريات الماضي؟؟ أليس الواقع الذي يفرض نفسه هو أن لابدّ أن يكون المرء في حاجة إلى الكثير من الصبر والتصبّر للتأقلم مع الواقع المؤلم ولما قد يتعرض إليه من أحداث مهمة كانت قد تسببت له بالكثير من المعاناة؟ وأيضا ألن يكون من المتعذر علينا أحياناً أن نمحوها من ذاكرتنا حتى مع مرور السنوات؟ فقد يمرّ وقت طويل جداً قبل أن تندمل الجراح التي سببتها والتي قد تظلّ تنزف كلما عاد المرء بذاكرته إليها، والإجابة التي قد لا تعجب البعض خاصة المتباكين على الأمس والمستمرين في البقاء بالماضي هي نعم! قد يتمكن المرء من ذلك عندما يكون سلاحه الإيمان بالله تعالى والرضا بمشيئته والحقيقة أنه ليس بإمكان أي منا أن ينسى تماماً ما يمرّ به من بعض الأحداث خاصة عندما يكون لها تأثيرها ودورها في تغيير مجرى حياته لأن البصمة التي تتركها لابدّ أن تظلّ تتسبب له بالمعاناة لكن ما نفعله هو أننا مع مرور الزمن قد نعتاد بالتدريج أو أننا بالأحرى قد نتأقلم مع الواقع الذي فُرض علينا ولسبب واحد فقط هو الإيمان والثقة فقط، الإيمان هو الذي يُقّوي ويُساند والذي يُنزل السكينة على القلوب ويملأها بالرضا.
وربما بإمكاني أن أشير إلى الفارق بين أن ننسى وبين أن نتناسى وأن نحاول التأقلم مع الكثير من الأمور لكي نتصالح مع أنفسنا ونتمكن بالتالي من الاستمرار في مسيرة الحياة، فهل بإمكاننا دون نعمة الصبر أن ننسى من فقدناهم من أحب الناس إلينا؟ بالطبع لا.. لكننا نتقبّل مشيئة الله تعالى لإيماننا بأنهم قد أصبحوا في كنف أرحم الراحمين، أليس الصبر والإيمان ما يجعل من يتعرض لويلات الحروب الجائرة ومن يعاني من نوائبها ومن يجعل من قد يفقد فجأة حتى السقف الآمن الذي يعيش تحته ويضطر للتشرد ومن يفقد بالتالي حتى كرامته أليس ذلك الإيمان ما يجعله يستمر في الحياة؟؟؟
هل بإمكان أي منا أن يحتمل آلام إصابته أو إصابة من يحبهم بمرض عُضال خاصة عندما يدرك بأنه ليس هناك أي أمل للشفاء منه ما لم يتحلّ بالصبر وما لم يلجأ للتصبّر والاستسلام لمشيئة الله تعالى، وهل بإمكان المرء أن ينسى ما قد يتعرض إليه من إهانة ومن إساءة إلى كرامته؟ بالطبع لا.. فلابدّ أنه سيظلّ يعاني من جرح الكرامة لكنه سوف يحاول أن يتناساها وأن يتصبّر إلى أن تتاح لنا فرصة ردّ كرامته لأن الله تعالى لابدّ أن ينصر من يتعرض للظلم؟ إذاً ذاكرتنا سِجل يُدوّن فيه كل ما نمر به في حياتنا منذ اليوم الأول الذي تبدأ فيه حاسة الإدراك لدينا بالعمل بالتناغم مع مشاعرنا وهي أشبه بجهاز حاسوب تمت بُرمجته بدقّة متناهية بقدرة الله تعالى بحيث يعمل بشكل لا إرادي على تصنيف ما نمر به من أحداث يومية بحسب أهميتها وبحسب ما يكون لها من تأثير في أنفسنا فهي تترك الأحداث العادية في زاوية مُهملة وتضع الأحداث ذات الأهمية في ركن بارز بحيث تعود إلينا وتبرز أمام أعيننا وتُحرك مشاعرنا باستمرار حتى لو حاولنا أن نتناساها وبإمكاننا أن نقول إننا عندما نتذكر بعض الأحداث فهذا ليس فقط لأهميتها وإنما لما تركته من تأثير في أنفسنا سواء أكان ذلك التأثير سلبياً أو إيجابياً، إذاً علينا أن نعي أن نعمة الصبر والتأقلم مع الواقع الذي ينطلق من إيمان المرء بالله تعالى ومن تقبّله لمشيئته هما وحدهما البلسم الشافي والعلاج الكافي لكل ما يمرّ به المؤمن من معاناة ومن نوائب، والإيمان هو ما يجعلنا نشعر بأن هناك حكمة تكمُن خلف ما قُدّر لنا بمشيئة الله تعالى الذي يُسيّر الكون بحكمته وكل ما نحتاج إليه لو أردنا التصبّر والنسيان أن نقول «قدّر الله ما شاء وفعل».. وأخيرا علينا لو أردنا أن نعيش بسلام هو أن نتقبل قدرنا وكما نمارس النسيان والتناسي فعلينا التمسك بالصبر والتصبر فإن الله ما كتب علينا أمراً وقّدر علينا قدره إلا وآتانا معه الصبر والتحمل.. ونهاركم محبة ودمتم.
copy short url   نسخ
08/10/2016
4357