+ A
A -
موضوع الابتعاث الخارجي والمبتعثين، تختلف عنده وجهات النظر بين المتفائلة والمتشائمة، وأخرى المعتدلة. فهناك من يرى في الابتعاث شرا مطلقا، وسلبياته تطغى على إيجابياته، وآخرون على عكس ذلك تمامًا يرون أن محاسن الابتعاث ومنافعه تطغى على مساوئه ومفاسده. وهناك فريق أخير يرى أن الابتعاث له وعليه، ويؤمنون بالتركيز لإيجاد الحلول التي تحسّن من نوعيته وتؤتي ثماره على المدى البعيد.
ولأن العامة تؤمن أن الاختلاف أمر حتميّ، وأن تعدد الآراء المتصلة بهذا الموضوع ومناقشتها لا يستوعبها عمود صحفي بل تحقيق صحفي، سيُركز هذا المقال على طرح سؤالٍ وحيد، - بالتركيز على فكرة ابتعاث مخرجات الثانوية العامة (صفوف الثاني عشر)-: هل النسبة أو (المعدل العام) هو المعيار الدقيق لتحديد ما إذا كان الطالب يستحق الابتعاث أو لا؟ (هذا السؤال لا يستثني أبناء الواسطات).
ما يحصل في الواقع من نماذج متكررة لحالات بعض الطلاب الخليجيين والتي تعرفها الوزارات أو الهيئات المسؤولة عن الابتعاث، أو الأسر الخليجية بشكل عام ممن سافر أحد أبنائها لاستكمال تعليمه في الخارج، يُدركُ أن المعدل أو نسبة الخريج ليست المعيار ذا الأفضلية كي يُصنف الطالب بالمستعد أو المؤهل للدراسة في الخارج، كما أن اعتماد رغبة الطالب في الابتعاث ليست آلية جيّدة أيضًا لتحديد قدرة الطالب على استيعاب واقع الدراسة في الخارج.
فالابتعاث ليس مجرد (سفرة أو رحلة علمية) بل حياة متكاملة تحمل جوانب ثقافية واجتماعية وترفيهية. هذا يعني أن الجزء الأهم في المعادلة، مرتبط بشخصية الطالب، وسجله الأخلاقي، بجانب استعداده الفكري والمعرفي (خاصةً وأنه في الغالب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره).
والدولة تأمل من المبتعث أن يكون نموذجًا مشرفًا وسفيرًا يمثل بلده بصورة إيجابية عند احتكاكه مع المحيطين به في جو الجامعة أو الحياة العامة، خاصة وأن الابتعاث لمرحلة البكالوريوس يمتد لسنوات، قد تحصل أحيانًا لسبع سنوات.
وحين تفكر الدولة في مصلحتها واستثمار مالها عن طريق الابتعاث، تبدأ في التفكير والبحث عن التخصصات المناسبة التي تحتاج إليها في سوق العمل، أكاديميًّا وبحثيًّا وإداريًّا. بالتالي حتى تجني النتائج يجب أن تُحمّل المسؤولية العلمية والثقافية والفكرية لأشخاص مؤهلين، بشكل حقيقي، وليس بشكل وهمّي، حتى لا تُستنزف الأموال في أشخاصٍ سيصبحون يومًا ما كالخنجر في خاصرة أوطانهم. فما هي النتائج الموسومة من ابتعاث الشباب المندفعين والمتهورين، أو ممن لا يميزون بين التقليد الأعمى والسليم، أو ممن بيّتوا النيّة مسبقًا لتبني أفكار هدامة تتعارض مع ثقافة المجتمع وأخلاقياته وسياسته؟!
من وجهة نظري المتواضعة، يتمثل الحل في الفرز ثم الفرز ثم الفرز لأولئك الطلاب المُنْتَقين، عن طريق المقابلة، أو الامتحان، ليس لقياس مدى جدارتهم علميًّا، فقد فازوا وتفوّقوا، بل للتعرف على الجوانب النفسية والفكرية والثقافية لأولئك الطلاب. فحتى أولئك الذين نشأوا وتربوا على أساس اتباع الحلال واجتناب الحرام، لا على الخوف من العيب والفضيحة، يعانون عند ابتعاثهم (خاصة إلى الدول الغربية)، بما يُسمى الصدمة الثقافية، (CULTURE SHOCK)، والتي تُجبر الطالب أحيًانا إلى الرجوع إلى وطنه بخفي حنين بعد صراعه الداخلي بما يحمله من عادات وقيم وثوابت وما يراه في البلد المبتعث إليه. كما أن هذه الصدمة الثقافية تساهم بصورة مباشرة في الحد من قدرة الطالب على الإبداع والابتكار.
من هنا نفترض أنه حتى يقوم الابتعاث بدوره الفاعل، يجب أن يكون الطالب مستعدًّا ومروّضًا، عن طريق دورات تأهيلية وتوجيهيه وتربوية – إن لزم- وتكميلية تبني شخصيته وفكره؛ ليصبح ضد الصدمات، ولديه الجاهزية الكاملة للتعلم بكل ثقة وجدّية.


زهرة بنت سعيد القايدي :
copy short url   نسخ
08/10/2016
4410