+ A
A -
يتواصل في مصر مسلسل تصفية المعارضين السياسيين خارج إطار القانون والمحاكم حتى وإن كانت صورية. وآخر الضحايا في هذا السياق القياديان في جماعة الإخوان المسلمين محمد كمال وياسر شحاتة. ويبدو أن هذا السلوك الإجرامي للنظام يندرج ضمن توجه رسمي لسلطة الأمر الواقع المهيمنة على البلاد منذ انقلاب يوليو 2013.
والمعروف أن الأنظمة الاستبدادية تعمد إلى تصفية خصومها أو الإخفاء القسري لهم للتغطية على فشلها في حل مشكلات البلاد وهي التي جاءت بدعوى إنقاذ الوطن ومنع تردي الأوضاع إلى حرب أهلية كما زعم السيسي يوما. فالتجارب السلطوية لحكم أنظمة الاستبداد التي حكمت في دول أميركا اللاتينية (في الشيلي والأرجنتين والبرازيل) عرفت أشكالا شبيهة في تصفية الخصوم وتصوير الأمر وكأنه في إطار الدفاع المشروع عن الأمن العام. فالطغمة العسكرية إذا تمكنت من السيطرة على مقاليد الأمور في بلد ما تعمد إلى التعامل مع كل من يعارض توجهاتها من خلال التصفية والعقوبات القاسية وكلما كانت «الجريمة المفترضة» المنسوبة إلى المعارض غير واضحة أو ظاهرة يصبح أي حكم مخفف محل شك ويُظهر السلطة القائمة غير واثقة من نفسها، أما إذا كانت العقوبة قاسية فستكون أكثر إقناعا بحصول جرم ما من طرف الضحية، وهذا الأسلوب اللاإنساني في التعامل مع المعارضين هو تقنية نازية قديمة حيث طبقوها على خصومهم ليس فقط من زاوية العقوبة ولكن أيضا في وحشية تنفيذها. ذلك أن الطريقة الأمثل لإقناع جمهور الناس بأن الخصم السياسي يستحق ما يحصل له هو المبالغة في العقوبة والوحشية في التنفيذ والتصفية خارج القانون لتكون النتيجة أن يفكر الناس «لو لم يكونوا خونة ومجرمين ما كانوا ليعاملوهم بهذه الوحشية، إنهم خونة».
إن تقنيات الطغيان تقوم دائما على ثنائية المبالغة في القمع وترويع الجمهور وذلك لضمان أمرين: أولهما قمع الطليعة الواعية وكل من يمكن أن يرفع صوته ضد الاستبداد ويكشف خطورته على مستقبل الشعب والوطن وثانيهما قتل أي روح للتمرد أو الثورة في نفوس الناس حين يشاهدون مصير كل من يرفع صوته ضد السلطة الدكتاتورية الحاكمة.
وأنظمة الطغيان تحتاج إلى الكذب وتزييف الوقائع بصورة دائمة، «فالطغيان ينتج الكذب تماما كما تنتج الحرية السخرية» مثلما يقول علي عزت بيغوفيتش. وتتكفل الأجهزة الدعائية للسلطة بمحاولة تجميل الوجه القبيح للطغمة العسكرية القائمة والترويج لانجازات وهمية ودفع الجمهور للتسبيح بحمد رأس النظام والدعوة إلى التمديد له وتخليده تحت شعارات كاذبة ومزاعم واهية بوصفه البطل الذي لا يُقهر والمنقذ الذي سيخلص البلاد والعباد من الشر القادم. وعلى هذا الأساس تصبح صناعة رموز للشر المحض أمرا مهما لبقاء الطاغية وهم في الحالة المصرية يتجسدون في جماعة الإخوان والقيادات السياسية المعارضة وشباب ثورة 25 يناير. غير أن التاريخ يكشف أن هذه الأنظمة القهرية المغلقة مهما استمرت على رقاب الناس لا يمكنها أن تستمر لأنها تفتقر لأهم شرط للبقاء وهو الشرعية الأخلاقية ولأن القوة لا تصنع حقا بقدر ما تخلق واقعا وأن الحكم من خلال الأمر الواقع لا يجعل من الطاغية الانقلابي القادم على ظهر دبابة حاكما شرعيا مهما اصطنع لنفسه من مظاهر ديمقراطية أو سخّر من أبواق إعلامية هي في النهاية مجرد كلاب حراسة تخدم النظام كما قال يوما الفيلسوف الفرنسي بول نيزان متحدثا عن أشباههم الذين كانوا يخدمون الاحتلال النازي لفرنسا. وإن أي محاولة للتستر على جرائم هذا النظام لن تجدي نفعا، ففي النهاية سيدفع ثمن سلوكه الإجرامي بحق أبناء الشعب وجميعنا يذكر المحاكمة الشهيرة للجنرال «بينوشيه» طاغية «تشيلي» وليس غريبا أن تكون نهاية السيسي شبيهة بنهايته المخزية.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
10/10/2016
3841