+ A
A -
في إحدى السنوات زرت مع صديق مجلس واحد من كبار التجار في دول مجلس التعاون، وأذكر أن صديقي سأله كيف يكون مطمئنا على حلاله بينما الذين يديرون العمل في محلاته ويمسكون حساباته ليسوا أبناءه أو أقرباءه وأغلبهم أجانب. أما رد التاجر فكان مفاجئا ومثيرا حيث قال «أطمئن بمنحهم الثقة»، وأضاف إنه لا سبيل غير ذلك لكسبهم، ومن خبرتي أن العلاقة بيني وبينهم تستمر طويلا بسبب أنني فعلت ذلك وأكدت لهم عمليا أنني أثق فيهم، وقد تبين لي أن هذا الطريق يوجد مساحة كبيرة للصدق وللوفاء.
منحهم الثقة– قال التاجر– نتيجته الطبيعية والمنطقية هي إخلاصهم لك، لكن هذا لا يعني أن تعطي الآخرين كل الثقة حيث ينبغي أيضا أن تكون حذرا في تعاملك معهم، وهذا يشمل كل مناحي الحياة وليس التجارة فقط، فما لا تتوقعه يمكن أن يأتي من أقرب المقربين إليك وممن حصل على النصيب الأوفر من ثقتك، والأفضل طبعا هو التدرج في منح الثقة وعمل اختبارات لمن ترشحه لنيل ثقتك ولكن من دون أن يشعر.
سأله صديقي إن كان قد تعرض لما جعله يفقد الثقة في بعض من منحهم إياها، فقال إن هذا أمر ممكن الحدوث في كل زمان وكل مكان، فالنفس أمارة بالسوء وهناك من يضعف، وفي هذا الخصوص يتوافر الكثير من القصص التي تضرر منها مانحو الثقة لمن لا يستحقونها، ولكن ينبغي ألا نتوقف عن منح الثقة للآخرين بسبب أنه تبين أن البعض لم يكن أهلا لها.
تلك الزيارة كانت في ثمانينيات القرن الماضي حيث الناس لا يزالون بعيدين عن التحول المادي الذي نشهده اليوم، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كان الناس اليوم يقدرون الثقة التي يمنحها إياهم الآخرون خصوصا في الأمور التي يكون المال ثالثهم حيث الشيطان يتوافر عادة بقوة في هذه المساحة؟ بالتأكيد فإن التعميم، سلبا أو إيجابا، أمر غير صحيح، لكن الأكيد أيضا أن القصص عن خيانة الأمانة اليوم في ازدياد نتيجة الانحراف نحو الحياة المادية وتمكنها من الكثيرين بسبب طغيان المغريات وارتفاع تكلفة المعيشة، ومع هذا لا يمكن للإنسان أن يعيش مرتاحا لو أنه لم يثق في الآخرين بالقدر الكافي وإن تعرض للخديعة مرة أو مرات، فالحياة بالتشكيك في أمانة الآخرين صعبة بل مستحيلة.
الفكرة التي أرادا ذلك التاجر أن يوصلها إلينا هي أن الطريقة الأفضل لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا الثقة بالآخرين– في أي مجال- هي أن نمنحهم الثقة وأن نؤكد لهم أننا نثق فيهم وأننا لا نشكك في أمانتهم. كذلك فإن الثقة في الله قبل الثقة في الناس، أي تسليم الأمر لله سبحانه وتعالى والخطو ببطء وبتدرج حيث الثقة لا تتحقق في يوم أو يومين ولا بد أن تتأكد بالتجارب.
الموضوع يستوعب العديد من وجهات النظر خصوصا في زمن الإبحار بقوة في الماديات.
بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
11/10/2016
2388