+ A
A -
عادة، تنتهي الحروب بمنتصر ومهزوم، المنتصر يعلن انتصاره والمهزوم يقر بهزيمته. وحدها الحرب على الإرهاب تشذ عن القاعدة التاريخية. وكأن هذه الحرب يراد لها أن تكون حربا مستمرة أو حربا دائمة تتجدد.
أعلن أكثر من نصف العالم الحرب على «قاعدة» بن لادن، التي خرج من رحمها «قاعدة الزرقاوي»، التي أنجبت بدورها «الدولة الإسلامية»، ثم جاءت «الذئاب المنفردة». وزجت جيوش وحاملات طائرات واجهزة الأمن واحدث تقنيات التنصت والمطاردة في مقاتلة هؤلاء، بينما قوى التطرف لاتزال تنمو وتقاتل، تتبخر ثم تظهر أقوى من السابق، تخرج من مدينة وتضرب بشراسة في أخرى.
ومع إعلان الحكومة العراقية وخلفها واشنطن، صافرة البداية لمعركة تحرير الموصل من قبضة تنظيم ابو بكر البغدادي، تحضر الاسئلة: هل بدأ العد العكسي للقضاء على الإرهاب؟ هل طويت صفحة الحرب الدائمة لنشهد عالما جديدا بلا إرهاب ولنرى عراقا مستقرا وموحدا ومغايرا لعراق الصراعات الطائفية التي غذت كل اشكال التطرف وصنعت لكل مكون عراقي «داعشه» الخاص والمتطرفين ام ان ما رسم قد رسم، والمعركة الحالية ليست الا فصلا من فصول تتجدد في انتظار الاتي الاعظم؟
الحشود العسكرية تتدفق من كل حدب وصوب نحو الموصل تحت شعار القضاء على الإرهاب في ابرز معاقله. لكن لكل حشد قضيته ومراميه. وتكاد التناقضات بين المحتشدين والتنافس على تصدر المواجهة ان تفجر صراعا بينها اشد هولا من الصراع مع المقاتلين المتمترسين في الداخل. والأرجح أن التنظيم المتطرف لن يقاتل في المدينة. وهو اصلا لم يقاتل لا في الفلوجة ولا في تكريت ولا الرمادي ولا تدمر. ذاب في الصحراء وصار جزءاً من رمالها فور تقدم الجيوش والميليشيات في اتجاه هذه المدن. وتحول السكان إلى لاجئين أبديين، وتكيفت العشائر مع الوضع الجديد، وانتظر المقاتلون في جحورهم انبثاقا جديدا لمعادلة دموية تعيدهم إلى صدارة المشهد. بالنسبة اليهم، خسارة الارض ليست هزيمة!
الاستعدادات للمعركة تجري وسط انشطار مذهبي واثني خطير يغذيه تسابق خارجي على النفوذ وابتلاع ما بقي من زاد العراق. والوحدات المحتشدة هناك لاتحمل فقط السلاح بل ايضا المشاريع المتناقضة والمتعارضة. والمدينة ستكون مختبرا لكل أنواع النزاعات، ولعل اقلها أهمية القضاء على «الدولة الإسلامية» التي ستمضي إلى الصحراء تاركة خلفها كل الاحتمالات المفزعة.
دخول الموصل لا يعني حفلة الوداع الأخيرة للتنظيم، ولا يعني وأد الإرهاب. فالسياق السياسي والأمني الذي أحيا التطرف وانعشه وسيٌده على الانبار ونينوى والبادية والرقة، لايزال هو هو، لابل يجري امداده وتغذيته بكل المقويات والذرائع ليبقى على قيد الحياة أو ليخرج برداء اخر فور توافر الشروط والمناخات، وهي اصلا لاتزال صالحة وملائمة وما اكثرها، فما الذي تغير في العراق وسوريا وفي الاقليم حتى تسحب من المتطرفين والمتزمتين حججهم والذرائع؟ وهل القوى التي أسهمت بوجود المشكلة يمكن ان تكون هي صاحبة الحل أو انها ستنقل الصراع من مرحلة إلى اخرى، خدمة لغاياتها؟
لابد من تحرير الموصل من الشذوذ الذي تعاني منه، ولابد للمدينة من ان تسترجع حريتها، ولا بد من اعادة الحياة إلى مفاصلها، فاهل الموصل يستحقون الافضل كذلك اهل العراق، ولابد ايضا من اسقاط نظرية الحرب بلا نهاية على الإرهاب، لكنها لن تسقط الا بترك العراق للعراقيين يتدبرون شؤونهم بأنفسهم فهم أدرى بشعاب بلادهم، شرط الا يكون هناك فرق بين عراقي وعراقي الا بعراقيته والوطنية.
بقلم أمين قمورية
copy short url   نسخ
19/10/2016
2743