+ A
A -

هناك فرق بين التصديق بالشيء، والإيمان به..
فأنا مثلاً أؤمن بوجود مخلوقات ذكية في الكون، ولكنني لا أصدق بإمكانية التقائنا بهم- ناهيك عن تصديق من يدعي هبوطهم بطبق طائر..
وأنت كذلك، قـد تؤمن بالسحر والعين والحسد، ولكنك لست مجبراً على التصديق بتأثيرها عليك أو إصابتك بهـا..
التصديق يتضمن شيئاً من الشك والتردد، في حين يأتي الإيمان كيقين كامل لا يقبل الشك أو القسمة.. لهذا السبب لا يصل التصديق لمستوى الإيمان- مهما خدعت نفسك- إلا بعد أن تـراه أو تملك دليلاً شخصياً على وجوده.. تؤمن بالشيء حين تدركه بنفسك دون وسيط، في حين يأتي التصديق من طرف ثالث قد يكون موروثك العائلي أو الثقافي.. صحيح أنك تتبنى هذا الموروث وتدافع عنه ولكنك في أعماقك (وبينك وبين ذاتك) تظل متشككاً وتبحث عن دليل ينقلك لمرحلة الإيمان.
هذه المقدمة تؤكد وجود فرق بين الإيمان الكلي، والتصديق الجزئي (بحيث يمكن القول إن كل مؤمن مصدق، ولكن ليس كل مصدق مؤمناً).
.. على أي حال؛ الإيمان والتصديق خيارات شخصية لا تضر أحـداً ما لم يحاول صاحبها إجبار الآخرين عليها.. فمجرد سعيه لنقلها للآخرين يعني انتقاله من حيز الاعتقاد إلى حيز الفعل والمبادرة- وهذا بحد ذاته فعل خطير.. إيمانك بوجود العين أو تصديقك بأعمال السحرة أمر خاص بـك لا يضر أحداً غيرك؛ ولكن محاولة إقناع الآخرين بما تظنه وتعتقده تصرف سلبي يصرفك ويصرفهم عن رؤية الأسباب الحقيقية.
جميعنا يؤمن بالسحر والعين والحسد لوجودها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكن التصديق بتأثيرها علينا يدخلنا في حالات هوس جماعي، وشـك نفسي، وشقاق مع المحيطين بـنا..
هناك أكثر من دراسة أكدت وجود تأثير سلبي على الشعوب التي تصدق بتأثير السحر والسحرة- والقدرات السلبية الخارقة.. فمن خلال دراسة قام بها الدكتور بوريس جيرشمان على مجتمعات جنوب الصحراء الكبرى (التي تصدق بأعمال السحر والشعوذة أكثر من بقية المجتمعات الإفريقية) اتضح معاناة الناس من مظاهر الوسواس والشك وعدم الثقة بالآخرين- بما في ذلك عائلاتهم وأقرباؤهم.. وهذه الدراسة (التي نشرت في عدد مايو2016 من دوريةJOURNAL OF DEVELOPMENT ECONOMICS) بدأت حين لاحظ جيرشمان عزوف الناس في هذه المناطق عن العمل والتفوق والمشاركة الاقتصادية- وتفضيلهم استشارة السحرة والمشعوذين، على الأطباء والمتخصصين!
.. وأياً يكن الأمر؛ كونوا على ثقة بأنني لست معنياً بمستوى إيمانكم بالسحر والخوارق (أو سبب امتلاكنا مشعوذاً وراقياً في كل حـي) ولكنني أتمنى فقط عدم تصديقكم بتأثيرها عليكم..
فنحن في النهاية مسلمون نحفظ المعوذتين، ونقرأ آية الكرسي ونؤمن أنه (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)..
تصديقكم- وليس إيمانكم- هـو المسؤول الأول عن الإضرار بكم ومنح المشعوذين ودعاة الرقية القدرة على خداعكم وسلب أموالكم.. سوق الخزعبلات- مثل كل الأسواق- يخضع لميزان العرض والطلب وما عليكم سوى مقاطعته كي يختفي إلى الأبد..
بقلم : فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
22/10/2016
4712