+ A
A -

أيتها العنصريّة، التي باعدَتْ وما قرّبتْ، فرّقتْ وما جمّعَتْ، كرّهتْ وما حبَّبت، روّعت وما أراحتْ، أبكتْ وما أفرحَتْ. أود إعلامكِ أنّكِ مهما حاولتِ تكميم الأفواه؛ لسَتر صنيعكِ في الإنسانية، فإن الأقلام ستظل تطاردكِ أنتِ والمروجين لكِ ومُتبَنوكِ، بكل جدّية واحترافيّة، لعلكِ في يومٍ ما ستحاولين تقمّص دور المنتحر على أرصفة البشريّة.
يؤسفني أن مروجيكِ ورافعي شأنكِ ليسوا روبوتات ولا قوالب خرسانية، بل بشر مثلنا مثلهم، لكنهم يعاملون غيرهم وكأنهم آلهة خَلقوا أنفسهم لا حسيب عليهم ولا رقيب. وإن لم يدّعوا ذلك حرفيًّا، لكنهم يطبقونه فعليًّا. وما دونهم من المُتعنصرين يدّعون في تارات كثيرة بأن في أيديهم مصائر البشر، بل أن غيرهم كذبوا وادعوا بأنهم أبناء الله الذين جعلهم خلفاء في الأرض، ولن يحاسبهم على بطشهم وطغيانهم على باقي أجناس البشرية.
أيتها العنصرية، الملعونة، التي تقف على رأس كل آدمي، لتوهمه أنه الأفضل، الأقوى، الأذكى، الأكثر مثالية رغم مساوئه وجرائمه وسوء أخلاقه، رغم حقارته ودناءته، والتي تفوّضه من وقت لآخر لانتزاع حقّ الحياة من الآخرين، حق الحياة الذي هو هبة ربانية زرعت في كل جسد حيّ لا فضل لمخلوق فيه، بتصريح وتفويضٍ باسم العِرق تارة، وباسم اللون تارة أخرى، وباسم الدين تارة رابعة... وهَلُمَّ جَرًّا.
أو تلك العنصرية المشؤومة التي تجعل من السرقة حقا مشروعا، لا رادع له أمامها، يسلب بكامل قواه العقلية، وبتفويض سامٍ يقول له: «أيها الرجل الأبيض» أو «أيها السامي»، لك الحق في أن تمد يدك على كل ما تشتهيه نفسك وتطرب له. لا يهمّ الأضرار التي تخلفها وراءك، ولا يهمّ الحرمان والفقر الذي سيعيش فيه غيرك، المهم أن تعيش وتحصل على ما تُريد.
وبكل أريحية سيجيب من مُنح التصريح: «بالطبع يا رجل سأفعل... كم مرة يعيش المرء؟!، سأعيش حياتي بأكملها كما أريد». وبالفعل سيفعل، ومن يهتم؟! فبعض الحكومات العنصرية ستقف بجانبه، ستُحييه، وستبحث عن مخارج قانونية وغير قانونية له ولمن هم على شاكلته!
آه... لو تأملنا العالم من حولنا والوضع الذي نعيش فيه، سنجد أن كثيرا من الحروب والاقتتال والخلافات والمشكلات، وما يتبعها من قتل وهجرة، وتشريد ومجاعات، وسقوط حكومات، لا يتعلق بكلمة قومية أو وطنية بل عنصرية مقيتة وقاتلة.
العنصرية باختصار... مصطلح يُبيح كل أنواع الجرائم، يسمح بكل أنواع الاضطهاد والعنف. العنصرية التي لو تخيلنا شكلها فهي أقرب لمسخة المسيح الدجال. قبيحة ذميمة. لا مشاعر ولا أحاسيس تختلجها أو تردعها. ولا ضمير حيّا يؤنبها.
ولا تقتصر العنصرية كما أشرت على الحكومات والسياسات والأفراد النافذين، بل نحن كبشر عاديين، نمارسها كطقسٍ يومي، في روتيننا اليوميّ، حين نتحدث بعجرفة عن بشرة مختلفة، مذهب مختلف، طائفة مختلفة.. إلخ. حين ننظر إلى من هم دوننا على أنهم لا يستحقون شيئًا، بل نَمُنّ عليهم، متناسين أن ما بأيدينا هو من الله، ولو شاء لجعلنا مكان أولئك الذين تحت رحمتنا.
وتلك العنصرية نفسها التي تجعلنا نقف عند الأوروبي بكل وجل واحترام، ليس لأنه أفضل، بل لأنه دائمًا أوهمنا بعنصريته أنه من يستحق كل شيء حتى ما نملك بين أيدينا من موارد، وحاجات، فنرضخ لها دائمًا كما نفعل لمن هم دوننا.
فإذا لما تردعنا عواطفنا وأحاسيسنا على أن نعامل غيرنا من البشر بعدالة وإنسانية، فلنَمُت كحيوانات تدفننا الطبيعة بلا كفن. وصدق مارتن لوثركينغ حين قال: «العنصرية عداوة مطلقة، لا تدعو فقط إلى فصل الأجساد، بل أيضا الذكاء والأرواح».
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
22/10/2016
5058