+ A
A -
في مثل هذا الوقت من عام 1916 كُشف النقاب عن الاتفاق البريطاني – الفرنسي الذي حدد مستقبل العالم العربي ورسم خريطة دوله الوطنية. بدأ الاتفاق ثلاثياً. وكان الثالث هو روسيا القيصرية. وما يُعرف اليوم باتفاق (مارك) سايكس و(فرانسوا) بيكو، كان يفترض أن يضم إلى جانب الدبلوماسيين الإنجليزي والفرنسي، وزير خارجية روسيا في ذلك الوقت سيرغي سازونوف. وبالفعل وضع الاتفاق التمهيدي بين الثلاثة في اسطنبول في شهر مارس 1915. ولكن قيام الثورة البولشفية وسقوط القيصرية الروسية، أدى إلى توزع حصة روسيا بين فرنسا وبريطانيا. فكان الاتفاق المعروف باسم «سايكس- بيكو».

كانت حصة روسيا من تركة الرجل المريض ( الامبراطورية العثمانية) تشمل ضفتي ممر البوسفور (الذي يصل روسيا بالمياه الدافئة في المتوسط ) إلى جانب شرق الأناضول المتاخم للأراضي الروسية، وذلك اضافة إلى مدينة اسطنبول. وكان الهدف الروسي – القيصري هو تحويل هذه المدينة (عاصمة الامبراطورية البيزنطية القديمة) إلى فاتيكان للمسيحية الارثوذكسية.

ورغم ان الاتفاق أقرّ بين فرنسا وبريطانيا في عام 1916، الا انه لم يُعلن الا بعد عام ؛ أي بعد أن كشفت الثورة البولشفية النقاب عنه في عام 1917، لأنها حرمت من الحصة التي كانت مخصصة لروسيا.

وكانت هناك حصة أخرى مخصصة لإيطاليا أيضاً. فأثناء الحرب العالمية الأولى كانت ايطاليا متحالفة مع ألمانيا، ولإغرائها بالانسحاب من هذا التحالف وبالانضمام إلى معسكر الحلفاء (الفرنسي – البريطاني)، عرض عليها هدية هي عبارة عن ليبيا ومنطقة بحر الادرياتيك. وجرى الاتفاق فعلاً على هذه الصفقة في معاهدة سان جرمان موربان التي وقعت في يونيو من عام 1917.

ولكن لا بريطانيا ولا فرنسا احترمت الاتفاق.. فقررت ايطاليا الاستمرار في تحالفها مع ألمانيا.

تكشف هذه الوقائع التاريخية كيف كان العالم العربي مضغة في أفواه القوى الدولية. وكيف كانت مناطق من العالم العربي تقدم جوائز ترضية لهذا الفريق أو ذاك. ولم تكن فلسطين فقط أرضاً يقدمها من لا يملكها إلى من لا يستحقها، ولكن العالم العربي كله في ذلك الوقت كان موضع تقاسم.

لقد صدر وعد بلفور بمنح فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود في تلك الفترة، وبموجب تلك المعادلة السياسية ذاتها أيضاً. وقد أعلن «الوعد» البريطاني بعد وقت قصير من الكشف عن اتفاق سايكس – بيكو.

ففي تلك الاثناء كانت الوعود البريطانية للعرب بالمساعدة على اقامة دولة عربية واحدة بعد التحرر من الهيمنة العثمانية لا تزال ساخنة. وتؤكد تلك الوعود، الرسائل التي تبادلها الشريف فيصل مع هنري ماكماهون الذي كان يمثل الحكومة البريطانية في مصر.

ولم يكن الوعد البريطاني مجاناً. كان مشروطاً بالثورة العربية ضد الأتراك حلفاء المانيا. وبالفعل أدى العرب قسطهم، وثاروا ضد الأتراك وقطعوا شريان التواصل بين اسطنبول والقيادات العسكرية المحلية في العالم العربي ( نسف خط سكة حديد الحجاز). وقد ساعد ذلك على تغيير ميزان القوى في الجبهة الشرقية لمصلحة بريطانيا وحلفائها. وذلك بعد هزيمة القوات البريطانية في العراق، وبعد تقدم القوات التركية نحو قناة السويس للسيطرة على أهم ممر مائي يربط بريطانيا بالهند درة التاج البريطاني. ولكن عندما جاء وقت تسديد الدين، استبدل وعد بلفور بوعد مكماهون. وتحولت الدولة العربية الكبرى إلى دويلات تتقاسمها بريطانيا وفرنسا وفق اتفاق سايكس – بيكو.

واليوم، يواجه العالم العربي خطر تقسيم المقسم وتجزئة المجزء، بحيث ان «الكيان السياسي» الذي خرج من رحم اتفاق سايكس – بيكو يتعرض إلى أن يصبح «كيانات سياسية» مذهبية وطائفية وعنصرية.. ومن دون أن يكون لسايكس وبيكو أي دور في ذلك.

فالدور الجديد يؤديه لاعبون جدد. اختلف اللاعبون.. ولكن اللعبة واحدة.. ومستمرة.



بقلم : محمد السماك

copy short url   نسخ
12/05/2016
2711