+ A
A -
من المقرر أن يلتقي غداً في باريس اثنا عشر وزيراً للدفاع من الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش.
والهدف من اجتماعهم تقييم مسار المعركة الفاصلة التي بدأت في السادس عشر من هذا الشهر لاستعادة الموصل من يد التنظيم المتشدد. والكل يعتبرها مختلفة عن كل المعارك التي دارت مع داعش منذ أن استولى على المدينة في العاشر من يونيو 2014. لكن المقدمات تشير إلى أن استردادها وإن كان ممكناً إلا أن السيطرة على ما سيجري فيها بعد ذلك يدخل في دائرة المجهول خاصةً وأن التحالف ضد داعش يضم أطرافاً بينها خلافات حادة حول مستقبل المدينة والعراق بل والمنطقة بأسرها.
كما أن الحشود التي انطلقت لتحرير الموصل وإن جمعها العداء لداعش إلا وتفرقها الانتماءات المذهبية والعرقية والولاءات الخارجية.
الحكومة العراقية وحدها حشدت 35 ألفاً من أفراد الجيش وثمانية آلاف عنصر من الشرطة.
قوات البشمركة الكردية بدورها خصصت خمسين ألف مقاتل. وهناك الحشد العشائري السني بقيادة الشيخ نزهان اللهيبي ولديه نحو خمسة آلاف مقاتل، وحشد آخر هو الحشد الوطني بقيادة آثيل النجيفي ويمتلك عشرة آلاف مقاتل.
أما الحشد الشعبي ذو الغالبية الشيعية فينضوي تحته 67 فصيلاً لم يتبين إلى الآن عدد القوات التي سيزج بها في المعركة.
وعلى مسافة ليست بعيدة توجد قوات تركية لن تتردد في خوض غمار القتال. أما إيران فمعروف أنها استباحت العراق طولاً وعرضاً. وبجانب هذا كله هناك آلاف من قوات التحالف يشرفون على التدريب والإعداد وتقديم الإسناد اللازم.
أطراف عديدة وحشود كثيفة اجتمعت لطرد داعش سيفرقها القضاء على داعش.
الحشد الوطني مثلاً ينسق مع تركيا لكنه لا يطيق الحشد الشعبي ولا الحشد الشعبي يطيقه، وأعلن أن دخول أية عناصر من ذلك الحشد إلى المدينة سيعتبر اختراقاً من قبل غرباء.
والحشد العشائري السني وإن اقترب لفترات من الحشد الشعبي، إلا أنه يقف بقوة ضد أي تغيير يحاوله الأخير لهوية الموصل بعد القضاء على داعش.
كما أن الخلافات حول مستقبل المدينة ومحافظة نينوى بأكملها لا تخفى بين أنقرة وبغداد أو بين تركيا وإيران أو بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، وقبل ذلك وبعده بين الولايات المتحدة وروسيا حول مستقبل المشرق العربي بأكمله.
وإلى أن يتم إخراج داعش من الموصل قد تتمكن الحشود من لجم جموحها الطائفي والمذهبي والعرقي، كما قد يستطيع التحالف الدولي منع كل حشد من محاولة اغتنام المدينة لنفسه.
أما بعد ذلك فالصورة لا تكذب. فكل من يسكن العراق وكل من جاء إلى العراق بات مستعداً لمعركة شرسة لإعادة تشكيل مختلف التوازنات. ارتفعت نبرة اللغة وسترتفع معها حدة السلاح الذي لن يوجه بعد فترة إلى داعش وإنما سيتبادل إطلاقه من جاؤوا ليقضوا على داعش. ولن يستطيع وزراء دفاع الدول المشاركة في التحالف في ظل هذه الأجواء تخطيط مستقبل الموصل. ربما سيقتصر ما يفعلونه على رفع تقارير لقياداتهم السياسية التي لا تتفق مع بعضها حول مستقبل المدينة.
نعم ستتحرر الموصل من داعش لكنها لن تتحرر من الخوف. خوف الجميع من الجميع. خوف إيران من تدخل تركيا بذريعة حماية تركمان وسنة الموصل فيكون ذلك مقدمة لتراجع نفوذها في العراق بأكمله، وخوف تركيا من أن تتمخض المعركة عن تهميشها في أراض تعتبرها خاصرة حيوية لأمنها. وخوف آخر واسع من انتشار سيكولوجية الكراهية في مدينة متعددة عرقياً لكنها ابتليت بصناعة ثقيلة للشك من الجميع في الجميع. إن داعش ستدخل كتاب التاريخ لكن من بعدها ستبدأ مرحلة أشد صعوبة.
فالحكومة العراقية تفتقر إلى مصداقية إدارة وطن بلا انحياز وكثيراً ما أدى انحيازها إلى تأجيج غضب مجتمعي واسع. أما الجامعة العربية فلا حس لها ولا خبر. كما أن القوى الإقليمية والدولية لم تصل ولا يبدو أنها ستصل قريباً إلى اتفاق على خريطة جديدة للتوازنات. ولهذا فالمرجح أن تبدأ فترة تجريب جديدة وطويلة في الموصل وربما أيضاً فترة تخريب. وهذا للأسف ما حدث أكثر من مرة في مدن كبيرة بعد أن تحررت: تتخلص من خطر لكنها تواجه أخطاراً أعظم.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
24/10/2016
2554