+ A
A -
لو فكر الطغاة في نهاياتهم قليلا لاختاروا أن يسلموا كراسيهم للشعب مذعنين، ولرسموا بأيديهم أجمل خاتمة ممكنة لحكمهم، فضلا عن حجز أماكن مميزة لهم في الصفحات المشرقة في كتب التاريخ.
عندما توفي نلسون مانديلا في ديسمبر 2013 قدم من داخل نعشه درسا لن يستوعبه الا من ينظرون أبعد قليلا من مواطئ أقدامهم.
فهذا المناضل الذي قضى زهرة شبابه في السجن مطالبا بإنهاء الفصل العنصري وإقامة دولة مشتركة بين البيض والسود على أسس الشراكة والمساواة، خرج من المعتقل ليحكم البلاد التي أحبته أكثر من أي شيء آخر لفترة رئاسية واحدة ثم يغادر الحكم والسياسة نهائيا رغم ان أي شخص بمكانته كان ليعتقد بأنه القائد الرمز الضرورة الذي ما كانت جنوب افريقيا ستتمكن من السير خطوة واحدة إلى الإمام بدون أفكاره النيرة.
تخيلوا معي مثلا لو ان العقيد معمر القذافي الذي قتل بأبشع طريقة يمكن تصورها وتحولت جثته لمزار للناقمين طوال ايام قرر في بداية الاحتجاجات على حكمه ترك السلطة نهائيا والادعاء بأنه يفعل ذلك ليس تحت ضغط الجماهير بل حبا في ليبيا وإيمانا بإمكانات شعبها، أغلب الظن انه كان الآن جالسا في خيمته في إحدى صحاري ليبيا يمارس هوايته في التأمل وإنتاج الأفكار «النيرة» وسط امتنان واحترام الشعب الليبي.
كذلك الحال مع بشار الأسد.. فهذا الطبيب الذي أقسم على حماية الروح البشرية والحفاظ عليها، قتل وشرد ملايين البشر حتى اليوم، مستكملا مشوار والده الذي قتل وسجن مئات الآلاف من المعارضين طوال سنوات حكمه، وبطبيعة الحال لا يهم كثيرا إن بقيت دولة يديرها أو شعب يحكمه، فهو مستعد للمواصلة حتى الرمق الأخير وإن تحول في نهاية المطاف لرئيس لدولة مساحتها 10 كيلومترات مربعة يسكنها 20 ألف نسمة!
لقد كان بإمكان الأسد ان يتحول إلى رئيس رمزي ويسلم السلطة فعليا عبر انتخابات ديمقراطية، ما كان سيغير أمورا كثيرة ليس في سوريا وحدها بل في العالم بأسره.. لكنه اختار الطريق التي لا يعرف غيرها رغم أن نهايتها التراجيدية حتمية وإن طال الزمن.
المشكلة أن لا أحد يفكر في كل هذا، فالطاغية بطبعه مجبول على الاعتقاد بأن مستقبل البلاد والعباد مرهون ببقائه وأن الدنيا ستنهار إذا هو ابتعد عن كرسي السلطة، ولذلك تجده حريصا أن يبقى في سدة الحكم حتى آخر يوم في عمره ولو اضطر أن يصدر قراراته وهو على سرير المرض يتلقى العلاج في إحدى العواصم الغربية أو حتى من داخل سرداب حتى الأرض، المهم ألا يرى أحدا غيره رئيسا للبلاد طالما بقي لديه عرق ينبض!
فيما يتحسر حكام عرب كثيرون على خيباتهم، لا يزال مانديلا وسيبقى رمزا للحرية والأمل لدى جزء كبير من سكان العالم
ترى هل يتساوى هؤلاء بهؤلاء؟! وهل يتعظ المتشبثون بكراسيهم بدروس التاريخ وعبره؟ أم أنها متلازمة تكرار الأخطاء القاتلة؟

بقلم : لؤي قدومي
copy short url   نسخ
26/10/2016
2722