+ A
A -
ميشال عون، العسكري صاحب المزاج المتقلب والسريع الانفعال، يجلس منذ أمس على كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية. حلم تحقق بعد أكثر من ربع قرن من إخراجه من القصر الجمهوري، الذي كان قد تمركز قيه كرئيس لحكومة عسكرية مؤقتة إلى حين انتخاب رئيس جديد خلفا لأمين الجميل. أخرجه يومها طيران حافظ الأسد بعد الصفقة التي عقدها مع الولايات المتحدة اثر انحيازه ضد صدام حسين في حرب الخليج الأولى. واليوم يدخل عون قصر الرئاسة على حصان من أخرجه منه وشرده. عام 1990 قضت الصفقة بإبعاد عون إلى باريس حيث مكث خمس عشرة سنة، ولم يعد الا على اثر اغتيال رفيق الحريري وخروج هذه المرة جيش الأسد من لبنان. وعندها أطلق الجنرال مشروعه السياسي ضمن اطار «التيار الوطني الحر» وحشد الأنصار والمؤيدين المتعطشين لحرية وسيادة لبنان كي يتمكن من تحقيق حلمه بالرئاسة. فلم يتوان عن التحالف مع «حزب الله» الذي كان يكيل له شتى التهم بالخروج على سلطة الدولة وسيادتها وقواها الشرعية، وبالتبعية لإيران وسوريا، ووقع في فبراير2006 ما سمي بـ «ورقة تفاهم» مع حسن نصرالله.
وعاد عون مرة ثانية إلى تعطيل انتخاب الرئيس عام 2007 خلفا لأميل لحود واستمر الفراغ ستة أشهر إلى ان تم التوصل إلى «اتفاق الدوحة» في مايو 2008 الذي انتج تسوية قضت بانتخاب قائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيساً. وكان هذا مؤشر قوي على حدة الانقسام السياسي والطائفي وعمق الأزمة التي راح يعاني منها النظام اللبناني الديمقراطي بانتخاب للمرة الثالثة عسكريا رئيسا للجمهورية، ما عزز في الوقت عينه رغبة عون الجامحة في تحقيق حلمه الرئاسي.
وعند انتهاء ولاية سليمان في مايو 2014 صمم الجنرال الا يفوت الفرصة هذه المرة الثالثة، وهو بات في خريف العمر (82 سنة)، مستقويا بدعم «حزب الله» الغارق في أوحال الحرب السورية بهم انقاذ بشار الأسد، والذي تقع رئاسة لبنان في أدنى سلم أولوياته الإيرانية، ولكنها لا يمكن ان تخرج عن سيطرته. فعمد «الثنائي» عون-نصرالله إلى تعطيل انتخاب الرئيس على مدى سنتين ونصف السنة وتطيير نصاب 46 جلسة انتخاب! إلى ان تراجع سعد الحريري أمام ابتزاز الممانعين واعتبر ان لا حل للخروج من الأزمة الا بدعم انتخاب عون. بالمقابل، وكما كتب الكاتب الصحفي الزميل عيسى غريب، لم يعد امام اللبنانيين المحبطين الا خيار رؤية «نصف الكأس الممتلئ بدل رؤية نصفه الفارغ». من حمل عون إلى القصر الجمهوري أمس هو اذن من أخرجه منه قبل ست وعشرين سنة!
فهل انتخاب الجنرال هو نصر يسجل لإيران؟ بدون أدنى شك، وهو أمر لا يمكن انكاره. كما انه لا يمكن بالمقابل انكار ان عودة الحريري إلى الحكومة، وربما لفترة طويلة، تشكل ايضاَ نكسة لطهران ولحلفائها المحليين، وبالأخص «حزب الله»، الذين سعوا وبمثابرة إلى اخراج ابن رفيق الحريري من المعادلة السياسية، وبعد ان تبين ان السعودية، عبر ارسال موفد خاص إلى بيروت قبل يومين من جلسة الانتخاب، لم تدر ظهرها للبنان وللحريري.
غير ان اللعبة لن تنتهي عند هذا الحد، فغدا تبدأ المعركة الأهم على تشكيل الحكومة التي ستضع عون الرئيس أمام تحد مزدوج قوامه قدرته على التوفيق بين موقعه كحكم بحسب الدستور المؤتمن عليه وليس كفريق، وبين الشروط والعراقيل التي سيضعها حليفه «حزب الله» على رئيس الحكومة المكلف، والذي اعتبر نصرالله ان القبول بعودة الحريري إلى الحكومة هو «تضحية كبيرة جدا من قبلنا»، ناهيك عن الموقف من تمويل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري، والخلاف حول قانون الانتخاب، ومسألة حياد لبنان تجاه الحرب في سوريا الذي التزمه عون مع الحريري والذي يرفضه نصرالله رفضا كاملا «لن نعود الا بعد الانتصار»!

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
01/11/2016
2580