+ A
A -
إن أعظم أنواع التحضر والرقي هو التعامل بطريقة إنسانية مع البشر، وأول من يستحق هذا الإحسان في التعامل والرفق واللين والتسامح والمحاسبة عند كل حركة أو سكون هما الوالدان ثم الأقرب فالأقرب. مؤلمُ حقًا ألا ينسى بعض الأشخاص مراجعة كتب الإتيكيت والحوار أو التعامل مع الآخرين بشكل دوري لتطبيقها حرفيًّا مع مسؤوله أو مرؤوسيه أو لمجرد التبجح بأنه مطّلعٌ على هذه المجالات. لكنه لا يُجيد أو لا يريد إجادتها مع والديه، بل ولا يعطي للاحترام قيمة عند الحديث مع الأكبر سنًّا، لا ينتقي كلماته حين يخاطب زوجته، يُدير ظهره لأولاده ويتركهم للزمن حتى يتكفل بتربيتهم، لا يعرف أقرباءه إلا عند الحاجة، يتنكر لأصدقائه إن تغير حاله... وهلم جرا.
لا ننكر بذلك أن الحرص على قواعد الإتكيت عند الجلوس على مائدة الطعام أو عند حضور اجتماع ما، أمر بات مهمًّا، لكن بنفس الطريقة التي نحرص فيها على الاهتمام بالإتيكيت والطبيعة والكون والتاريخ والجغرافيا والفيزياء كعلماء أو أكاديميين أو أشخاص عاديين، تحتاج علاقاتنا الإنسانية وتواصلنا مع غيرنا من البشر إلى درجة مشابهة من الاهتمام والاطلاع والمراعاة. ففي هذا العصر المتنمر، أصبح من الواجب علينا أيضًا أن نهتم بتشذيب إنسانيتنا بشكل أو بآخر، وأن نتدارك أنفسنا قبل أن نتحول إلى روبوتات، وأن نحافظ على علاقتنا قبل أن تنهار.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، من بعض التناقضات في هذا الجانب، فإننا نجد بعض المهتمين بتنمية الموارد البشرية، والمتحدثين مع الجماهير الغفيرة، تصدر منهم تصرفات كثيرة غير مقبولة وغير أخلاقية، أثناء تعاملاتهم مع جمهورهم، أو زوجاتهم أو أبنائهم وأقاربهم بصفة عامة، وقد ترى ذاك المتحدث اللبق أمام مئات الجماهير يجرّ زوجته كالمتردية والنطيحة في مكان عام كسوق أو مستشفى، يرفع صوته عليها وينفعل أمام الناس دون مراعاة لها، أو مقاطعًا ذويه بسبب لا يُذكر، أو عاقًا بوالديه. وهكذا، تصبح التنمية البشرية بسبب تصرفاته عند من يعرفه نقمة بشرية.
ختامًا، التحضّر المرهون بتنمية العلاقات البشرية وتعزيزها، لا يحتاج إلى مفاعلات نووية ودراسات مخبرية بقدر ما يحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة؛ للتمكين الفعلي لرقي هذه العلاقات والروابط وإدراك مفاهيمها والحكمة منها، وكذلك الوعي بقيمة وثروة وجود هذه العلاقات.

بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
05/11/2016
4167