+ A
A -
إلى ما قبل أيام قليلة من انتخاب العماد ميشيل عون رئسا للبنان، ما كان أحد من المعنيين بالشأن اللبناني يستطيع الادعاء بأن أزمة رئاسة الجمهورية الممتدة منذ 29 شهرا في طريقها للحل. ولكن التحول المفاجئ في موقف كل من الشيخ سعد الحريري زعيم تيار المستقبل والدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية قلب الحسابات رأسا على عقب، فانفتح الباب للعماد ودخل قصر بعبدا بوصفه الرئيس الثالث عشر للبلاد.
لم تكن المهمة سهلة، فالمعروف سلفا أن سعد الحريري لم يكن موافقا على ترشيح العماد عون للرئاسة، وذلك استنادا إلى أن عون كان مرشح حزب الله وتأييدهما من جانب الحريري في خطوة كهذه هو بمثابة الوقوف في خندق الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران في الأزمة السورية الحالية، وهو ما لا يتفق أصلا مع مواقف وقناعات الحريري وأنصاره من تحالف 14 آذار. وعلى الجانب الآخر فإن سمير جعجع له موقفه المعلن برفض سلاح حزب الله ومعارضة توجهات الحزب السياسية، وهو نفسه الذي دخل برجاله في حروب دموية مع الجنرال عون في 1990 و2005.
وبرغم الدور المحوري للتحول في موقف الحريري بشكل أساسي، بالإضافة للتحول في موقف جعجع، وذلك من الرفض إلى التأييد لتولى العماد عون منصب الرئاسة، إلا أن واقعة الانتخاب في حد ذاتها شهدت كرا وفرا مثيرا كاد يعيد الأمور إلى سابق عهدها من الجمود. وهي أمور أثارت تهكم الرأي العام الذي تابعها على الهواء مباشرة. حدث ذلك في برلمان لطالما تفاخر بالممارسة الديمقراطية. ولكن إن أشر ذلك بشيء فإنما أشر إلى أن المهمة بمجملها لم تكن سهلة وأن الخلافات الداخلية ليست هينة أو بسيطة.
ما جرى لا يخرج عن كونه صفقة سياسية تمت أساسا بين الحريري وعون وإلا ما كان الانفراج قد تم بهذه الطريقة لأزمة استعصت على الحل لعامين ونصف العام. ولا شك أن الصفقات الانتخابية بين أطراف متقاربة في المواقف والتوجهات السياسية هي الأفضل والأطول عمرا، بينما التي تتم بين أطراف بينها تناقضات حادة كما حدث في الحالة اللبنانية الأخيرة تصبح دائما على المحك أي معرضة لاختبارات عديدة من شأنها أن تهدد مسيرتها. وقد أقر الحريري نفسه بحساسية وصعوبة القرار المفاجئ الذي اتخذه.
وإذا كان من السهل على المراقب أن يجد مبررات لهذا التحول في مسار أزمة الرئاسة اللبنانية انطلاقا من قراءة المستجدات الإقليمية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان والقلق الشديد من التهديدات الأمنية، فإنه من الصعب للغاية البحث في العوامل الحاسمة التي جعلت الأطراف التي كانت على طرفي نقيض تنتقل وسريعا إلى التعاون.
وإلى أن يجنى اللبنانيون الثمار الأولى التي تطمئنهم على المستقبل، فإن القيمة الأهم التي تصلح عنوانا لما جرى هي أن اللبنانيين قد انتصروا للتعايش برغم أن كل الظروف داخلية كانت أم خارجية كانت تقول بعكس ذلك. وللحق فإن كل الأطراف السياسية من كل التيارات كانت تتحدث دائما عن أهمية التعايش للبنان شعبا ونظاما سياسيا ولكنها انتظرت لحظة الشجاعة من القوى النافذة لتفعيل المبدأ. وأيا كانت تقديرات البعض لوصف النجاح السياسي الذي تحقق، فإن قدرة الأطراف المتخاصمة إلى حد كبير على أن تعدل مواقفها العدائية أو بالأخرى تجمد خلافاتها لكى تتعايش مع بعضها البعض هو انجاز مدهش وملفت يستحق التأييد والدعم، ودرس لمن يصرون على استحالة التوافق بينما هو ممكن مهما اشتدت الخلافات. التعايش ثقافة وتحضر له قاعدته الاجتماعية المتسامحة قبل أن يكون خيارا سياسيا عند صناع القرار ومتخذيه. وقد حرص عون نفسه في أول حديثه للبنانيين على تذكرتهم بأهمية الحفاظ على ما جاء به الميثاق الوطني 1943 الذي أسس لقيام لبنان وفي المقدمة منه التعايش السلمي بين كل اللبنانيين أيا كانت انتماءاتهم الطائفية.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
12/11/2016
2642