+ A
A -
لاعب كريكيت من الدرجة الأولى تخطت شهرته الرياضية بلاده إلى كل الدول التي تمارس اللعبة. لم تكفه تلك الشهرة فتجاوز كل الاعتبارات والعوائق وارتبط بسليلة إحدى العائلات البريطانية اليهودية الثرية. أراد أن يـُبقي على شهرته بعد تقاعده عن الرياضة فدخل مجال العمل الاجتماعي من خلال بناء المستشفيات ومراكز علاج السرطان وإطلاق منظمات العمل الخيري. طمح إلى ربط ثرائه وشهرته بالسلطة، فشكل حزبا سياسيا خاض به الانتخابات التشريعية على أمل الوصول إلى منصب رئيس الحكومة. فشل في مسعاه الأخير مرارا وتوارت أخباره، إلا أنه في كل مرة كان يعود مجددا إلى الأضواء عبر بوابة جديدة.
هذا باختصار شديد هو بعض ملامح سيرة «عمران خان» لاعب الكريكيت الدولي السابق، والسياسي الباكستاني البشتوني، وطليق الملياديرة اليهودية البريطانية «جميما غولد سميث».
أما لماذ نتحدث عنه اليوم فلأن اسمه عاد ليطفو مجددا على سطح الأحداث في باكستان بعدما حث أتباعه وأنصاره بالتظاهر والاعتصام في كل المدن الباكستانية وإغلاق منافذ العاصمة من أجل الإطاحة بالحكومة المنتخبة بقيادة نواز شريف بدعوى أنها حكومة «فاسدة ومرتشية ومخالفة لقواعد العمل الديمقراطي» ولا تفعل شيئا من أجل تحسين أوضاع المواطن الفقير، وكأن الرجل وحزبه السياسي يملكان الحلول السحرية الناجعة لبلد ما برح يئن من المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية المزمنة، أو لكأنما الحل هو في إغراق البلاد في موجة من الفوضى والقلاقل التي ستزيد الأوضاع سوءا.
بعض العارفين ببواطن الأمور يزعمون أن الرجل يحاول بشتى الوسائل الوصول إلى السلطة من أجل السلطة فحسب قبل أن يتقدم به السن. البعض الآخر لا ينفي طموحه المزمن للسلطة لكنه يعزيه إلى مخاوفه من قيام الجيش الباكستاني بحركة انقلابية تبعد المسافة بينه وبين حلمه لسنوات أخرى طويلة يكون قد شاخ خلالها. ومخاوفه هذه مفهومة إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخ باكستان التي ظلت تتأرجح ما بين حكومات مدنية وأخرى عسكرية منذ انفصالها عن الهند البريطانية.
فإذا ما سلمنا بالمزاعم والافتراضات السابقة فإن ما يقوم به عمران خان وأنصاره وحلفاؤه السياسيون - مثل السياسي المخضرم شيخ رشيد أحمد الذي انشق عن حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، وشاه محمود قريشي وزير خارجية باكستان الأسبق ما بين عامي 2008 و2011- في هذا الظرف المحلي والاقليمي العصيب يؤكد حقيقة واحدة هي أنه لم ييأس من تحقيق طموحاته السلطوية، وأنه مستعد للمضي قدما في مسعاه على الرغم من عدم تمتعه بشعبية كاسحة بدليل أن حزبه الذي أسسه في 1996 تحت إسم «تحريك إنصاف»، لم يفز بأي مقعد في انتخابات سنة 1997، ثم بدليل أنه عادة ما يُوصف بصاحب المقعد الواحد، في إشارة إلى فوزه بمقعد يتيم من أصل 272 مقعدا في انتخابات 2002.
ويعزو مراقبون كثر، فشله المتكرر في الصعود إلى السلطة، إلى تقلباته وانتهازيته السياسية من جهة وازدواجية شخصيته الاجتماعية من جهة أخرى. فقد قيل إنه «في باكستان ملتزم دينيا وفي خارجها غير ذلك». أما تقلباته السياسية فقد تجلت في دعم انقلاب الجنرال برويز مشرف سنة 1999 ثم انتقاده بشراسة قبيل انتخابات 2002، وأيضا قبيل انتخابات 2007 حينما انضم إلى المطالبين باستقالة البرلمان ما لم يستقل مشرف من الجيش قبل دخول المعترك الانتخابي. ومن جهة أخرى كان قبل 1999 معارضا شديدا لنواز شريف ثم انضم إليه مادحا في 2008 وها هو يعود إلى معارضته مجددا. على أن هذا ليس كل شيء، فقد دأب على طرح نفسه كوجه ديمقراطي ورمز إصلاحي، في الوقت الذي دعم فيه زعيم كتلة التيار الإسلامي المتشدد الموالي لطالبان «مولانا فوز الرحمن»، ليقود باكستان في 2002، واحتفظ بصداقة ودعم قائد الجيش الأسبق الجنرال «حميد غول» المسؤول المفترض عن تأسيس حركة طالبان الأفغانية.
صحيح أن الرجل لديه الكثير من الأنصار في الشارع بدليل تلبيتهم لدعوته المذكورة آنفا واصطدامهم بالشرطة، لكن معظم هؤلاء من البسطاء الذين استهوتهم خطبه وشعاراته المدغدغة للعواطف.
بقلم د.عبدالله المدني
copy short url   نسخ
13/11/2016
3027