+ A
A -
فاز ترامب، كما توقعنا في مقال سابق، ووقف العالم على ساقٍ واحدة دهشةً، وعجباً كيف يفوز مثله بانتخابات حرة كما يقال، وكيف يجيء إلى الحكم على ظهر صناديق الاقتراع الديمقراطية، وباختيار الشعب، وكانت خطابات حملته الانتخابية تقطر عنصريةً، وتطرفاً، وعدوانية.
المعروف أن أي مرشح للانتخابات في أميركا أو غيرها مهما كانت طبيعته، أو خلفيته همه الوحيد هو كسب الأصوات، والفوز في الانتخابات، الأمر الذي يجعل خطابه للجماهير بالغ الأهمية، لذلك لا تصدقوا أن خطاباته جاءت اعتباطاً وبتلقائية بل جاءت مدروسة، وحسب توصيات خاصة من مختصين يدرسون المزاج الشعبي ويقيسون توجهاته، ومطالبه، وإن كانت الانتخابات حرة، حقيقيّة فإن نتائجها بالفعل قياسٌ لاختيار الجزء الغالب من الشعب.
بعيداً عن كل المخاوف التي اشتعلت في العالم بعد تولي ترامب الحكم بسبب توجهاته التي أعلنها في خطاباته، أو حتى سيرة حياته السابقة، نفهم أن الكثير من الوعود، والأمور التي ذكرها لن يقوم بها حاله حال الكثير من مرشحي الانتخابات، كما أن بعض المحللين المختصين بالسياسة أقروا بأن انتخاب ترامب الجمهوري ،خَيْرٌ لنا من انتخاب كلينتون الديمقراطية بسبب السياسة التي يتعامل بها كلا الطرفين مع قضايا العالم؛ حيث إن الجمهوريين بسياستهم التقليدية الواضحة، وإن كانوا استغلاليين، أفضل من الديمقراطيين بفلسفاتهم المتغيرة وأهدافهم الخفية.
ولندع ترامب لنتحدث عمن انتخبه:
أغلب من انتخب ترامب كانوا من الرجال، والنساء البيض الذين ربما ورثوا العنصرية، والتمييز من أجدادهم، وكأن العنصرية جزء من تكوين الإنسان الأبيض الذي تعامل على مدى تاريخه بعنصرية مقيتة مع الأجناس البشرية الأخرى، رغم اختراعه للعلمانية والليبرالية وغيرها من التوجهات الفكرية التي حاول من خلالها أن يكون حراً، متحضراً، غير عنصري لكنها جميعاً بدأت تتساقط تحت أقدام الإرث العنصري المتجدد للإنسان الأبيض. إذا ما أضيف إلى ذلك «الإسلاموفوبيا» الذي أصبح بعبع الخطر الأول في الغرب، خاصة بعد ظهور الوحش الداعشي، كما أن الشعوب الغربيّة التي ضاعت هويتها ووصلت إلى القمة في الأزمات الأخلاقية والتفكك الاجتماعي في ظل العلمانية باتت تبحث لنفسها عن مخرج؛ اليمين المتطرف بدأ يتنامى في أوروبا بصورة مخيفة مع توقعات لفوز مرشحين من أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة هناك خاصة في فرنسا، والنمسا.
ما يقلق أن هذا التوجه اليميني متطرف عنصري، يدعو إلى إقصاء الغير، ويشجع الحلول العسكرية، في المحصلة هذا التوجه غالباً ما يقوم على جرائم، وبلا أي حقوق إنسان للجهة المضادة، وإذا تغلب قد نشهد حروباً جديدة، ربما صليبية أيضاً، حينها لن تكون أوروبا تلك القارة الجميلة التي يقصدها الناس للسياحه، والتسوق، والترفيه، بل ستكون القارة العجوز التي تنبض بالعنصرية، وتصدر الحقد، والكراهية، والخراب، ويبدو أن الإسلام السُني سيواجه العنصرية، والطائفية، وكل أنواع الأمراض البشرية في المستقبل.
حادثة دهس الطفل العراقي حياً بدبابة من قبل ميليشيات الحشد المهاجمة للموصل مشهد بقسوته يختصر كل ما يمكن أن نواجهه.

بقلم : مها محمد
copy short url   نسخ
15/11/2016
2739