+ A
A -
تظل تونس رغم بعض الإخفاقات والعثرات، نموذجا يبعث الأمل في بقاء الربيع العربي المفترى عليه على قيد الحياة. صحيح إن المسار الثوري، تعرض لانتكاسات، لكنه على الأقل نجا من مصير مسارات ثورات أخرى.
تحقيق العدالة الانتقالية، من الشروط الأساسية لنجاح الثورات، فالثورة تعني التغيير، ولا تغيير إلا على نظافة، ولن يتم التنظيف، دون أن تنتزع العدالة الانتقالية، ما ترسخ في النفوس من قهر وغل، بسبب المظالم والانتهاكات، ولن يحدث ذلك دون أن تطال يد العدالة، مرتكبي الجرائم ليلقوا الجزاء الوفاق لما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم بكل تأكيد.
بالقطع لن يصل المجتمع إلى مرحلة المصالحة، وهي مطلوبة أيضا، بل وأساسية بعد الثورات، دون أن تأخذ هذه العدالة الانتقالية مجراها، وهو ما بدأته بالفعل هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة تفعيل قانون العدالة الانتقالية الذي صادق عليه البرلمان في 24 ديسمبر 2013 وأحدثت بموجبه الهيئة.
خلال تقديم ضحايا انتهاكات المستبدين، لشهاداتهم للجنة، تظهر عدة ملاحظات، جديرة بالانتباه، لعل أولها، أن المستبدين ومنتهكي حقوق البشر، لا يفرقون بين هؤلاء البشر على حسب أيديولوجياتهم، فالمستبدون يرتكبون جرائمهم ضد من يقول لهم.. لا.. بأي لغة وبأي صوت، وهو ما صاغه المعارض اليساري الشهير للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة،
بقوله أمام اللجنة، «البوليس السياسي أو غيره لا يعرفون إلا أسلوبا واحدا هو التعذيب. دخلت السجن ثلاث مرات وفي المرات الثلاث تعرضت للتعذيب».
اللافت أن شهادة المعارض اليساري، أتت بعد شهادة، المثقف الإسلامي، سامي براهم، والتي روى فيها بعضا من تفاصيل ما تعرض له من تعذيب بشكل منهجي خلال فترة سجنه زمن بن علي. وكأن ما أسهب في تفصيله معارض إسلامي من عصر بن علي، أجمله بعبارته السالفة، معارض يساري من عصر بورقيبة.. ذلك أن المستبدين ملة واحدة، في التعذيب وانتهاك كرامة من يرفض استبدادهم.
الملاحظة التي لا تقل أهمية عن سابقتها، هي تلك المرارة التي تحدث بها ذوو الشهداء، وخصوصا شهداء ثورة الياسمين، فهؤلاء لهم خصوصية لابد من النظر إليها بعين الاعتبار، إذ إن معظم الوزراء والنواب الحاليين، ما كان لهم أن يجلسوا على مقاعد الوزارة أو البرلمان لولا تضحيات هؤلاء الشهداء، وليس أقل من أن يتم الإسراع بإنجاز العدالة في حق قاتليهم، والنظر بعين الاعتبار والتقدير لذويهم.
استغرق التونسيون وقتا طويلا، للبدء في إجراءات العدالة الانتقالية، لكنهم بدأوا.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
20/11/2016
2780