+ A
A -
لا داعي للقلق الفلسطيني من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، هو ليس أول مسؤول أميركي يهدد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، لقد سبقه إلى مثل هذا التهديد رهط من أسلافه.. إنه وعد دائم للمرشحين الرئاسيين الأميركيين أثناء الحملات الانتخابية، بقي حبراً على ورق.
جيرالد فورد أعلن عام 1972 إيمانه أن القدس عاصمة تاريخية وقانونية لإسرائيل، ولكنه لم ينقل السفارة. وهكذا حصل مع إدارتي رونالد ريغان وجورج بوش الابن.
بيل كلينتون قال أيضاً إنه «لدينا قطعة أرض جاهزة» لبناء السفارة، ومع ذلك لم يفعل بدعوى أن التأجيل يخدم مصلحة الأمن الأميركي رغم قرار الكونغرس الصادر عام 1995، والقاضي بإلزام الإدارة الأميركية نقل السفارة إلى القدس في موعدٍ أقصاه 31 مايو 1999.
ربما سيحاول ترامب إثبات نفسه أنه «الأقوى»، وأنه الرئيس الأميركي الوحيد القادر على ذلك، لكنه حتى إذا كسر المحظور فإن ذلك سيقلب الشرق الأوسط برمته ويمثل صفعة للمجتمع الدولي والقرارات الأممية قبل أن يكون صفعة للفلسطينيين الذين اعتادوا على المشاهد اليومية لتهويد القدس، ولعل ضجيج حدث كهذا من شأنه أن يعيد تحريك مياه القضية التي يكاد يجففها النسيان.
ولا داعي أيضاً للخوف الفلسطيني من تجميد ملف التسوية ودق المسمار الأخير في نعش الدولة الفلسطينية، فهذا أيضاً ليس بالأمر الجديد، وتهديدات ترامب في هذا المجال لن تزيد في الطين بلة ولن تغير شيئاً في الوضع المأزوم أصلاً، فجميع الذين سبقوه إلى البيت الأبيض ورفعوا شعار حل الدولتين.. رحلوا، وبقي الاستيطان سيد الموقف يكبر ويتمدد بلا رقيب ولا حسيب.
ولماذا الخشية من زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل؟ فهل توقفت يوماً هذه المساعدات.. ألم تتوصل إدارة أوباما في الصيف الماضي إلى أكبر التزام بالمساعدات العسكرية بقيمة 38 مليار دولار للسنين العشر المقبلة؟
وإذا كانت السلطة الفلسطينية تخشى أن تغطي الكراهية عيون الإدارة المقبلة.. فلتطمئن إلى هذه الناحية، ذلك أن ترامب لا يكره الفلسطينيين فقط، بل يكره أيضاً النساء والمسلمين والملونين والسود والمهاجرين وذوي الاحتياجات الخاصة والثوار السوريين والإيرانيين والمكسيكيين والصينيين. وهكذا لن يكون الفلسطينيون وحدهم في ميدان المواجهة بل صار في إمكانهم رفع شعار: يا منبوذي العالم اتحدوا في وجه المتجبر الأبيض القابع في البيت الأبيض.
وإذا كان من حق الفلسطينيين أن يعبروا عن قلقهم في ظل معاناتهم المستمرة وانسداد الأفق، فإن هذا القلق يتعين أن يكون أولاً من التخلي العربي عنهم، وثانياً والأهم من تشتتهم فرقاً وأحزاباً ومناطق وفقدانهم للقيادة القادرة على مواجهة التحديات الصعبة ورسم خريطة طريق نحو الخلاص وبناء المستقبل. ولابد أولاً من التخلص من وهم ما يسمى العملية السلمية التي أخذت منهم الكثير ولم تعطهم شيئاً في المقابل، وإعادة ترتيب بيتهم الداخلي عبر المصالحة وبناء المؤسسات وتعزيز الصمود وإبقاء المقاومة بكل أشكالها مفتوحة؛ فالتعويل على الدبلوماسية وحدها لا يكفي.
صار ملحاً إعادة النظر في طبيعة المواجهة والتأسيس لفكر فلسطيني جديد يتجاوز أفكار القيادة الفلسطينية الحالية والسابقة، ويأخذ في الاعتبار العالم المتغير، ولاسيما المستجدات في الإقليم والخريطة الدولية الجديدة وطبيعة التحالفات الجديدة الناشئة والاتكاء على قدرات الشعب الفلسطيني ونضالاته وتضحياته ليس إلا.
بقلم أمين قمورية
copy short url   نسخ
23/11/2016
2947