+ A
A -
أستطيع الجزم أن معظم حكومات الدول العربية التي حدثت بها ما يعرف بثورات أو صحوات الربيع العربي لم تفطن إلى الفارق بين هذين المفهومين (النمو والتنمية) أو أنها تجاهلته وكان هذا سببا أساسيا في اندلاع هذه الحركات. وما يحدث الآن في هذه الدول نفسها يدل على أن الحكومات الانتقالية أيضا لم تستوعب الدرس وما زال هناك خلط شديد بين النمو والتنمية مما ينذر بعواقب وخيمة لذا وجب إعادة الشرح والتذكرة فمن التكرار يتعلم الشطار.
النمو الاقتصادي في تعريفه الأساسي يعني مجرد الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. لا يهم من أين أتت هذه الزيادة أو كيف أتت ولا كيف تم توزيعها؟ أما التنمية الاقتصادية فإنها تعرف على أنها الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي والناشئة نتيجة تغيرات هيكلية في النمو الاقتصادي حدثت برأس مال بشري محلي ونتج عنها تحسن في مستويات المعيشة والرفاهية لمواطني البلد.
من ثم فإن مفهوم التنمية الاقتصادية لابد وأن يتضمن النمو ولكن العكس غير صحيح. أي أنه إذا حدثت التنمية الاقتصادية فلابد أن يحدث النمو الاقتصادي، أما إذا حدث نمو اقتصادي فإنه ليس بالضرورة أن تحدث تنمية اقتصادية. ولذا نقوم بتذكرة طلاب التنمية الاقتصادية دائمًا بأن «النمو» هو شارع ذو اتجاه واحد أما «التنمية» فهي شارع ذو اتجاهين. ولعل هذه هي المشكلة الاقتصادية التي واجهتها دول شمال إفريقيا على وجه التحديد (النمو بدون تنمية).
«النمو دون تنمية» يمكن أن يكون العنوان الرئيسي الذي يمكنه أن يصف الأوضاع الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين في شمال إفريقيا والذي أدى إلى تفجر ثورات الربيع العربي. ولكن كيف حدث هذا؟ ببساطة ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي (أو النمو الاقتصادي) يمكن أن يحدث حسابيًا لو أن 1% من السكان استأثروا بكل الزيادة في الدخل القومي مع بقاء الـ99% الآخرين دون زيادة أو لو أن الزيادة التي ذهبت إلى 1% من السكان كانت أكثر في حجمها مائة مرة من الزيادة التي ذهبت إلى بقية السكان وهذا تقريبًا ما حدث في مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب. نعم حدث نمو اقتصادي ولكن لم تحدث تنمية.
ومن ثم فإن أهم الدروس المستفادة هنا أنه يجب أن تحدث تنمية وليس نموًا فقط. ومن ثم يشترط في النظام الاقتصادي الحالي أن يراعي أن تتوافر مقومات التنمية وهي على وجه التحديد أن تحدث التنمية في ظل مراعاة كاملة لتوزيع الدخول والثروات بطريقة عادلة فلا يستأثر بثمارها حفنة صغيرة من المواطنين. وأن تحدث التنمية بأيدٍ ورؤوس أموال محلية قبل العوامل الخارجية. أن تحدث التنمية نتيجة تغيرات هيكلية متوازنة في الاقتصاد فلا يستأثر قطاع واحد (التجارة مثلا) بتحمل عبء التنمية ومن ثم الاستفادة من ثمراتها. أن تؤدي التنمية إلى تحسن في مستويات المعيشة للأفراد وبشكل حقيقي (ارتفاع مستويات التعليم والخدمات الصحية والنقل والمواصلات) وليس بشكل سطحي أو مظهري (كزيادة عدد التليفونات المحمولة والأطباق الهوائية) كما كان يحدث في السابق.
ولكن واضح من الإجراءات الاقتصادية الحالية في مصر (السياسة النقدية والسياسة المالية مثل تعويم العملة والضريبة على القيمة المضافة) وكذلك رفع الدعم عن معظم السلع الأساسية أن السواد الأعظم من الشعب سيتحمل تكاليف التنمية ولكن لن يجني ثمارها. ومن ثم نفس الأسباب الاقتصادية والعوامل السياسية التي أدت إلى حدوث هذه الحركات مازالت في الساحة وتطل برؤوسها بشكل سافر. ولذا يعد ضربا من الجنون أن نتوقع نتائج مختلفة عما كانت عليه الأوضاع قبل حدوث هذه الحركات.
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
23/11/2016
18046