+ A
A -
بدأت خلال الأسبوع المنصرم جلسات الاستماع العلنية «لهيئة الحقيقة والكرامة» وهي هيئة دستورية مهمتها التحقيق في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظاما «بورقيبة» و«بن علي» خلال مرحلة الدكتاتورية التي أسقطتها ثورة الشعب التونسي في آخر شهر من سنة 2010. كانت جلسات الأولى صادمة وصاخبة في آن واحد. كانت صادمة بسبب هول الروايات التي جاءت على لسان الضحايا حيث تحولت الذات البشرية في يد الجلاد إلى لعبة يفعل بها ما يشاء وكانت الجلسات صاخبة بسبب الدويّ الإعلامي الذي صاحبها وكان له وقع الصدمة في تونس التي لم تكن تدرك حجم جرائم النظام الاستبدادي.
لقد كانت الروايات على لسان ضحايا التعذيب مفجعة ومرعبة لأنها فاقت في بشاعتها غرائب «سجن أبوغريب» في العراق أو عمليات التعذيب في «غوانتنامو» اليوم بسبب الوصف الدقيق الذي رافق روايات الضحايا وذويهم. كثير من الضحايا قضوا تحت سياط الجلاد وماتوا بسبب التعذيب الذي مورس عليهم وكثير منهم خرج من السجن بعاهات مستديمة غيرت مجرى حياتهم إلى الأبد.
نال الإسلاميون الجزء الأكبر من حملات التعذيب والتنكيل التي طالتهم خلال حكم الرئيس الأول بورقيبة 1956 - 1987 والرئيس الثاني بن علي 1987 - 2010 ومثلت شهاداتهم خلال جلسات الاستماع شاهدا حيا على حجم الجريمة التي ارتكبت في حق الشعب التونسي.
لكن الأسئلة التي تطرح كثيرة جدا بعضها يتعلق بعملية كشف الحقيقة نفسها لأن عرض شواهد التعذيب الممنهج الذي مورس خلال عقود على أبرياء ذنبهم الوحيد هو الاختلاف في الرأي لا يجب أن يكون مدخلا لتبيض التعذيب نفسه. أي أن عملية كشف الحقيقة لا تمثل في الواقع إلا الجزء الأول من العدالة الانتقالية ولا بد من تفعيل الجزء الثاني الخاص بالمحاسبة وهي في نظرنا الجزء الأهم من كل المسار الانتقالي إن كان يراد للثورة التونسية أن تحقق جزءا ولو بسيطا من الأهداف التي انطلقت لأجلها.
إن تجارب «المصالحة الوطنية» و«الوئام المدني» في كثير من النماذج الدولية والعربية تكشف بجلاء كيف تحولت المصالحة إلى طريق لطي صفحة الحسابات وإلى تبييض الفاسدين والمجرمين والجلادين مثلما تؤكد ذلك التجربة الجزائرية مثلا.
إن غياب المحاسبة وغياب تفعيل الجزاء القادر على تحقيق قصاص عادل من القتلة والمجرمين هو وحده الكفيل بترميم الحطام الآدمي الذي خلفته عمليات التعذيب وهو الوحيد القادر على ردع الجلادين وعلى ضمان عدم تكرر هذا السلوك الممنهج والمنظم في السجون وأقبية التعذيب العربية.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
24/11/2016
3251