+ A
A -

يشعر البعض أن حياتهم مزدحمة بالمسؤوليات والمشاغل لدرجة الاختناق، وبات بعضهم يتأفف بسبب قلة أوقات الفراغ المتاحة والممكنة، ينادي بين الحين والآخر: «أنا غارق»، «أنا مدفون»، «لا أريد الحديث مع أحد». ومن حولهم من أقارب وأصدقاء وزملاء، بين مضجرٍ ومنزعج، ينظرون إليهم باستغراب، يتفكرون بعجب عن الشيء العظيم الذي لم ينتهوا من إعداده منذ بضع عشرة سنة، وفي أحسن الأحوال منذ بضعة أشهر أو أكثر؟! لدرجة تمنعهم عن مشاركة أحبائهم اللحظات الجميلة أو السعيدة، ناهيك عمّن ينظر إليهم بنظرة استخفاف ظانين أنّهم ثرثارون ومتبجحون يتعمدون ادعاء الانشغال للتباهي بوظيفتهم أو نجاحهم أو مكانتهم أو للتهرب من مسؤولياتهم الاجتماعية.
وقد يكونون مشغولين لإنجاز عملٍ عظيمٍ يستحق الوقت والعزلة، ومن هؤلاء أكثر الناس تحدثاً عن إدارة الوقت، ويدّعون أنه رغم سعيهم جاهدين لتنظيم أوقاتهم، إلا أن عقولهم تظل حائرة نتيجة عدم الحصول على الوقت الكافي للقيام بكل ما يُريدون. وهذا مؤسف؛ لأنهم حتى يكتشفوا أنهم بحاجة لمن حولهم- مهما كثرت انشغالاتهم- سيكون الوقت متأخراً والجدار العازل بينهم وبين من حولهم قد أُثقلت موازينه.
لكن كثيراً من المنشغلين ليسوا كذلك؛ إذ نكتشف بعد حينٍ من الزمن أن السبب هو قلة انضباط وترتيب، وفوضى عارمة، تنقصها إدارة الوقت وترتيب الأولويات. والمؤسف حين نعلم أن انشغالهم سببه العبث أو الاهتمام بأشياء ليست مهمة أو ثانوية في معظم الوقت وركن المهمة والعاجلة لآخر الوقت فتبدو أوقاتهم كأنها قصيرة جداً، كما يظهرون أمامنا كأنهم منهمكون بالضروريات حتى آخر لحظة. وبعضهم يرهقون أنفسهم في تعلم أو عمل كل شيء دون تحديد وفي وقت واحد، دون تركيز وتحديد هدف معين.
وإذا كان حولنا بعض من تلك النماذج، فلنتشجع ونسألهم عن سبب الانشغال على مدار الساعة: أيها المشغول، هل سبب انشغالكَ هو شعورك أو ظنّك بأنك مشغول أم أنّك مشغول حقاً؟!، إذ من الجيّد أن يشعر أولئك المشغولون أنهم يعنون لنا ونهتم بأمرهم، وحتى نتيقن أنهم بانشغالهم يسيرون في الطريق الصحيح، ولا يُسرعون نحو نهايتهم المؤسفة والتي قد تُودي بحياتهم نحو الاكتئاب والأمراض النفسية والبدنية الأخرى!
إذ تعلمتُ من واقع الحياة أن الشعور بـ «المشغولية»، لا يعني بالضرورة أنّنا مشغولون حقاً، كما أن هناك فرقاً كبيراً بين الإحساس أو الادعاء– عن وهم- «بأننا مشغولون»، و«حقيقة أن نكون مشغولين»، حتى لا نخسر أعمارنا في الظن بأننا نُحسن صنعًا، بينما لسنا سوى الأسوأ عملاً.
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
26/11/2016
4381