+ A
A -
وما زلنا نتجوّل في زوايا سيرة المتنبي وشعره ونتأمله كمثال على الرجل الطموح ونموذج للكفاح والإخلاص في سبيل تحقيق الحلم. وحتماً لن تجد اعتدادا بالذات كاعتداد المتنبي بذاته في كل مراحل حياته. فهو العصامي الذي اكتفى بذاته في خطة الوصول إلى طموحه، فلم يعتمد على نسب ولا حسب ولا جاه ولا إرث أدبي أو سياسي أو أي نوع كان من العوامل المساعدة عدا دهاء عقله وفصاحة لسانه وشجاعة يمينه. ومهما كان الجدل حول نسبه- طه حسين يعتبره مجهول النسب والعياذ بالله، وشيخنا محمود شاكر يعتبره من الأشراف العلويين، وما بينهما تجد الرواية الأكثر تردداً أنه ابن سقاء ويرجع إلى قبيلة كنده- أقول ومهما كان الجدل حول هذا النسب بقطبيّته، فالمؤكد أنه لم يعتمد على نسبه بتاتاً، بل العكس فقد بالغ في عدم الاعتماد عليه- ولا يهم إن كان مضطراً لذلك أم مختاراً- وسعى إلى حلمه وحيداً دون مساعدة أحد، في مجتمع عربي قبلي يضع للنسب والحسب اعتبارات لا نهائية.
«لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي»
«أمط عنك تشبيهي بما وكأنما
فما أحد فوقي ولا أحد مثلي»
«أي محـل أرتـقي
أي عظيم أتقـي
وكل ما خلق الله
وما لـم يـخـلق
محتـقـر عن همتي
كشعرة من مفرقي»
ورغم تحفظنا على بعض معاني الأبيات من الناحية الشرعية، إلاّ أن ضالتنا في البحث هي تقصي مواقع الاعتداد بالذات في شعر المتنبي وفي صباه على وجه الخصوص، فكل هذه الأبيات الثائرة والمتفجرة، قالها المتنبي في صباه، قبل أن يتشرف به أحد وقبل حتى أن يفتخر بنفسه، ولكنه كان مؤمنا بذاته وبقدراته ومصدّقاً لنفسه، فقد صدّق أبو محسّد نفسه وصدقها فنال ما قال وصاد ما أراد!.
مخرج
إن لم تصدّق نفسك فلن يصدّقك الآخرون

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
02/12/2016
4627