+ A
A -
يستمر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بمفاجأة العالم بقراراته وخطواته. هي في الحقيقة لا تخرج أو لا تبتعد عن الخطاب الذي كان يطلقه خلال حملته الانتخابية، وبالأخص ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وهي بمعظمها تخالف سياسات الولايات المتحدة المتبعة منذ عقود، وتحديدا النهج الذي اتبعه باراك اوباما.
فقبل أيام سارع العجوز هنري كيسنجر (93 سنة)، وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون ومهندس العلاقات الاميركية مع الصين الشيوعية عام 1972، إلى زيارة بكين من أجل «طمأنة» القيادة الصينية حول نوايا ترامب الذي اجرى قبل أيام اتصالا برئيسة تايوان.
ما أثار غضب بكين التي تعتبرها مقاطعة صينية وجزءا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية. وهذا ما تعترف به واشنطن منذ عهد الرئيس جيمي كارتر عام 1979، وما سارع إلى التأكيد عليه اوباما بالقول ان «الصين واحدة».
كيسنجر يقول انه لم يكلف رسميا بالمهمة، ولكنه التقى ترامب قبل سفره وعبر عن انطباعاته إلى محطة «سي. إن. إن» قائلا: «بحكم تجربتي الطويلة هذا الرئيس هو فريد من نوعه اذ ليست لديه التزامات تجاه أي مجموعة محددة، وهو أصبح رئيسا بالاتكال على استراتيجيته الخاصة». ولذلك، فهو ينصح بعدم حشره كثيرا بما كان يدلي به من مواقف خلال الحملة الانتخابية لأنه سوف لن يركز عليها عندما يدخل البيت الأبيض، الا انه يحذر من ضرورة أخذه بعين الاعتبار إذا أصر عليها!
أما الصحف الصينية، وهي صحف حكومية بطبيعة الحال، فقد رجحت ان ثعلب السياسة الخارجية الاميركية يقوم بلعب دور أساسي في رسم السياسة الخارجية للرئيس الجديد، وهو يسعى لإزالة التوتر مع بكين التي وصفت خطوة ترامب تجاه تايوان بـ«البلهاء»، وحذرت من ان مبدأ «الصين واحدة» هو حجر الأساس في العلاقات الصينية- الاميركية، ولا نريد ان يتم تبديل هذا المبدأ أو تخريبه». ان ترامب برده على الاتصال الهاتفي من قبل رئيسة تايوان، أراد على الارجح ان يجس نبض بكين ويحسن وضعه التفاوضي معها.
غير أن بكين لا تطمئن انطلاقا من مجموعة عوامل بمثابة هواجس لديها:
أولا، الصينيون يتمسكون بمبدأ الاستقرار لدرجة العبادة في الداخل وفي العلاقات الدولية، ولا يتقبلون أن يتم اعادة النظر باتفاق مرسخ مع دولة كبيرة كانت أم صغيرة.
ثانيا، أنها المرة الأولى منذ عام 1979- حين قامت الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في تايباي واعترفت بالصين الشيوعية- التي يقوم بها رئيس اميركي بالتكلم مع زعيم تايواني. لذلك، تعتقد بكين ان الخطوة تم ترتيبها بشكل مسبق.
ثالثا، إذا لم يلتزم ترامب احترام مبدأ «الصين واحدة بنظامين» الذي قبلته واشنطن فإن ذلك ممكن ان يؤدي إلى توتر في العلاقة بين البلدين. وللتأكيد على حساسية المسألة وأهميتها القصوى بالنسبة لبكين لابد من التذكير بما قاله رئيس الحكومة وزعيم الحزب الشيوعي الصيني اكسي جين بينغ: «ان الشعب الصيني سيقوم بإسقاط الحزب الشيوعي الصيني إذا لم تحل مسألة تايوان لذلك لن نسمح لقوى خارجية أن تتدخل في المسألة».
كما أن العنصر الأهم والأخطر بالنسبة للصين في العمق هو قناعة ترامب بأن الصين هي القوة العملاقة الصاعدة التي يجب مواجهتها أو احتواؤها اليوم، وليس روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا) التي يريد ترامب ان يتحالف معها بوجه الصين، أي بعكس ما كانت عليه استراتيجية كسينجر التي كانت تهدف في السبعينيات لاحتواء موسكو.
فهل يسعى ترامب إلى مواجهة؟ رب قائل انه يريد ان يحافظ على الزخم الذي حمله إلى البيت الأبيض من خلال دغدغة عواطف الناخبين عبر مواقف صادمة أو من «خارج السياق». أي ان ترامب الشعبوي الذي يستمر في تلقي التهاني وإطلاق المواقف هو غير ترامب الذي سيتسلم مهامه في 20 يناير 2017.

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
06/12/2016
3524