+ A
A -
في التاسع من نوفمبر 1938 ارتكبت القوات النازية الجرائم الجماعية ضد اليهود.
وفي التاسع من نوفمبر 1989 سقط جدار برلين، واستعادت ألمانيا وحدتها القومية من جديد.
كذلك في التاسع من نوفمبر 2016 وجهت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب -بعد انتقاد مواقفه العنصرية خلال حملته الانتخابية- قالت فيها انها مستعدة للتعاون الوثيق معه بشرط أن يحترم الكرامة الإنسانية للأقليات التي سخر منها.
يعتبر نجاح ترامب هزيمة شخصية لميركل. ذلك انها كانت على علاقة وطيدة مع هيلاري كلنتون.. وكانت تراهن على نجاحها وتبني مخططاتها المستقبلية على هذا النجاح. الا ان النتيجة العكسية متمثلة بفشل كلنتون لا تقتصر على العلاقة الألمانية – الأميركية، ولكنها تؤثر إلى حد كبير على السياسة الألمانية في أوروبة وعلى دور ميركل في هذه السياسة.
فالألمانية الأولى تبدو الآن في وضع لا تحسد عليه. فهي الرئيس القوي الوحيد في أوروبة، وذلك بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبعد تآكل شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وقرب انتهاء ولايته الرئاسية، وكذلك بعد تأخر اسبانيا وتراجع ايطاليا.. وانفجار الأزمة المالية في اليونان.
فإذا أقدمت ميركل على مبادرات إنقاذية للاتحاد الأوروبي فانها قد تُتَهم بمحاولة الهيمنة على أوروبا والتحكم بقرارها السياسي والاقتصادي.. أما في الداخل الألماني فإن وضعها السياسي ليس أفضل حالاً. ذلك انه منذ أن اتخذت قرارها الجريء بفتح أبواب ألمانيا أمام المهاجرين البؤساء، اتُهمت بالإساءة إلى المجتمع الألماني وإلى قيمه ومبادئه، كما اتُهمت بإحراج الدول الأوروبية الأخرى –وخاصة الشرقية منها – وتصويرها وكأنها ضد حقوق الإنسان.
وهكذا تراجعت شعبية ميركل في الداخل الألماني وفي الخارج الأوروبي.
يتمثل تراجعها الداخلي في استقواء الحركة المناهضة للمهاجرين، ومعها حركات اليمين المتشدد، ليس سياسياً فقط ولكن عنصرياً ايضاً، وقد حققت هذه الحركات نجاحات في الانتخابات الفرعية.
فمع التراجع السياسي لإيطاليا وفرنسا، تتجسد العنصرية أيضاً في حكومات هنغاريا والمجر، وفي الأحزاب السياسية التي تعد ذاتها لاقتناص الفرصة في فرنسا وإيطاليا وحتى في ألمانيا ذاتها.
كانت ميركل تستقوي بالرئيس الأميركي باراك أوباما وبالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. غير ان الأول بدأ يجمع أوراقه للخروج من البيت الأبيض في نهاية الشهر الحالي.. فيما يستعد الثاني لمغادرة قصر الأليزيه في الربيع المقبل.
ومما يزيد في استضعافها مرور أحد عشر عاماً على توليها السلطة. وهذا وقت طويل في حسابات الرئاسات الأوروبية.
ويترافق تراجع شعبية ميركل مع تصاعد شعبية ماري لوبان في فرنسا التي تعتبر الوجه الأوروبي للرئيس الأميركي ترامب. فهما يتحدثان اللغة السلبية الاستعدائية ذاتها، وخاصة من المسلمين ومن المهاجرين.. وكذلك مع تصاعد شعبية «غيرت ولدرز» رئيس حزب الحرية في هولندة، والرئيس الهنغاري «فكتور أوروبان «الذي سبق ترامب في بناء جدار لمنع مرور قوافل المهاجرين عبر بلاده إلى غرب أوروبة.
لقد اعتبر هؤلاء القادة انتصار ترامب في الولايات المتحدة انتصاراً لقضيتهم.. مما يفسح مجالات أوسع لوصولهم إلى السلطة في بلادهم. وهو ما يتناقض مع سياسة ميركل في ألمانيا، ومع المبادئ التي قام عليها تعاونها مع الرئيس الفرنسي هولاند طوال العقد الماضي.
فالمرشحة اليمينية للرئاسة الفرنسية ماري لوبان تصف ترامب بأنه «اشراقة لعالم جديد». وتقول عن فوزه انه يشكل نهاية القرن العشرين. لم يكن فوز ترامب نهاية العالم، ولكنه نهاية عالم.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
08/12/2016
3499