+ A
A -
هنا خبر لافت يستحق التأمل، ملخصه أن النيابة العامة في إحدى المدن المصرية أمرت بحبس موظف مدني أربعة أيام على ذمة التحقيق لاتهامه بتلقي 150 جنيها رشوة من مواطن مقابل إنهاء إجراءات استخراج شهادة قيد عائلي. حيث كشفت تحقيقات النيابة أن المتهم موظف في الأحوال المدنية بقسم شرطة في مدينة نصر ويحصل على رشاوى من المواطنين مقابل إنهاء أوراق خاصة بهم.

هذا هو الخبر، أما التعليق الفوري الذي يمكن أن يصدر عن كل من يقرأه ويعرف حجم مشكلة الرشاوى في مصر فهو «يعني يات على هذي؟» فهذه المشكلة يعاني منها المجتمع المصري بشكل فاضح حيث الكثير من الموظفين، كبارا وصغارا، لا يترددون في تسلم الرشاوى بل إجبار أصحاب المصلحة على دفعها لهم إن كان يهمهم عدم تعطل أمورهم.

هناك بالطبع من يحارب هذه المشكلة في مصر والتي يعبر عنها كثيرا في الأفلام مثل فيلم «عسل أسود» لأحمد حلمي الذي يعتبر صرخة في وجه المرتشين من الموظفين، كما أن الأزهر الشريف يقوم بدوره في هذا الخصوص لبيان مخاطر هذه الآفة على المجتمع وعقابها الرباني.

بالتأكيد فإن التحقيق مع ذلك الموظف المرتشي الذي من الواضح أنه «قنوع» و«صاحب ذمة» و«يراعي ظروف الفقراء» فلا يأخذ منهم سوى مائة وخمسين جنيها، التحقيق معه يأتي من باب إحقاق الحق ومحاولة لوضع حد لهذا الفعل الشنيع، لكن المنطق يؤكد أيضا أن مثل هذه المعالجة لا يمكن أن توصل إلى أي نتيجة فيما يخص مشكلة تلقي الموظفين «المتمكنين» الرشاوى مقابل تسهيل أمور المراجعين، فالقصة ليست قصة هذا أو ذاك الموظف وليست قصة عشرة أو مائة من أمثاله ولكنها قصة كبيرة ومعقدة ولا يشكل الموظفون الصغار فيها إلا أقل من العشر.

من المهم هنا أيضا التأكيد على أن انتشار هذا السلوك المشين والمخالف للشريعة الإسلامية والذي ينبغي من الجميع محاربته ليس له موطن، أي أنه ليس خاصا بهذه الدولة أو تلك وإن برز بصورة أكبر في هذه أو تلك، حيث المؤسف هو أن جل إن لم تكن كل المجتمعات العربية الإسلامية تعاني اليوم وبشكل كبير وفاضح من هذا الداء الذي لا بد من وضع نهاية له فهو ماح للبركة وجالب للشر وللمفاسد.

خليجيا يعبر عن عملية الرشوة بعبارة «ادهن سيره»، ما يؤكد أن هذا الداء متوافر بسخاء أيضا في دول مجلس التعاون وإن كان لا يزال محصورا إلى حد ما في فئة من الموظفين الذين يمتلكون مفاتيح هذا السلوك بحكم وظائفهم.

الفنانون الخليجيون أيضا صرخوا في وجه هذا الداء بتناوله في بعض أعمالهم والتي منها تمثيلية تبين أن ثلاثة من كبار السن من الذين لا يدركون تفاصيل أمور الرشوة يقال لهم إنهم إن أرادوا أن تتم معاملتهم بسرعة فإن عليهم أن «يدهنوا سير» الموظف المسؤول فيدعونه إلى بيت أحدهم ليفاجأ بأنهم فهموا «دهان السير» على أنه «مساد»!

بقلم : فريد أحمد حسن

copy short url   نسخ
05/04/2016
1786