+ A
A -
نشرت سي إن إن، صورة تجمع 5 من قادة الدول الكبرى: الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا، بعنوان: نهاية النظام العالمي القديم، مشيرة إلى أنهم رحلوا أو راحلون، إثر تصاعد الأحزاب اليمينية القومجية الشعبوية، المعادية للأجانب، والمناهضة للعولمة، والمعارضة للنموذج الديمقراطي - الاشتراكي الحاكم للمجتمعات الغربية، منذ الحرب الثانية، العالم قادم على نظام غربي مختلف في القيم التي قام عليها، تتداعى فيه تحالفات قائمة.
وتقوم تحالفات جديدة، الديمقراطية الليبرالية، نفسها، كمنهج للحياة والحكم، معرضة للتقويض: التساؤل المطروح: كيف نفسر الظاهرة الشعبوية المتصاعدة في أوروبا وأميركا؟ وما أسبابها؟ تفسيراتها عديدة:
1 - أنها مظهر لأزمة الديمقراطية الغربية: يذهب وحيد عبدالمجيد إلى أن أزمة الديمقراطية الغربية، أعمق مما يبدو ظاهراً، فهي تعود إلى حصول اختلالات داخلية تراكمت، بسبب جمود يصيب النظام الديمقراطي في بعض المراحل، يضعف قدرته على معالجة الأزمات، ذلك عندما تصاب الأحزاب والمؤسسات السياسية التقليدية بالعجز عن تجديد خطاباتها، وعن ضخ دماء جديدة، فتعيد تدوير نخب محدودة في مستوياتها القيادية، تفتقد الكاريزما، ومن ثم تتراجع نسب المشاركة السياسية، فيستغل القوميون مناخ الفراغ، ويصبحون أكثر قدرة وتأثيراً وشعبية. أما محمد الرميحي، فيشخصها في عاملين: أولهما: التباطؤ الاقتصادي، الناتج عن شيخوخة أوروبا، والتقدم التقني، وثانيهما: تفاقم المشكلات الاجتماعية والثقافية، الناتجة عن البطالة، وهروب الصناعات إلى الخارج، وأفواج المهاجرين واللاجئين، والملونين الخ..
2 - أنها تعبير عن تناقض بنيوي كامن في النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي نفسه: بين قيم الليبرالية الراسخة وإنتاج الفاشية الشعبوية، طبقا للمفكر الفرنسي جان توشار في كتابه: تاريخ الأفكار السياسية.
3 - إنها ردة فعل على العولمة، من قبل ضحاياها المهمشين، في مناطق حزام الصدأ، وطبقة العمال البيض، غير الجامعيين، الذين صوتوا لترامب.
4 - إنها تعبير عن غضب شعبي عام أو تمرد على حكم المؤسسات السياسية التقليدية المسيطرة على المقدرات السياسية طيلة 7 عقود، أي: أزمة النخب السياسية الحاكمة، التي فشلت في تقريب الفوارق الاجتماعية بين الطبقة الغنية والطبقات الشعبية، وانحسار الطبقة الوسطى، بسبب سوء توزيع الدخل، وتداعيات الأزمة العالمية 2008 التي لم تتعاف منها أوروبا.
5 - إنها ردة فعل على الإرهاب الذي ضرب أوروبا في عقر دارها، وفشل الأمن في مواجهته..
6 - إنها ردة فعل على طوفان اللاجئين المتدفق على أوروبا من بلاد الصراعات ودول المجاعة.
7 - إنها علامات غروب الحضارة الغربية.
في تصوري: هذه التفسيرات تبدو صحيحة، عدا الأخير، تفسير بالتمني، ويجمعها جذر مشترك واحد: الخوف على الهوية، الرجل الأبيض اليوم قلق على حضارته، يخشى على ثقافته، ويحن إلى جذوره، أصبح يرى في تصاعد المهاجرين والأقليات المقيمة، تهديداً لكل ما تمثله حضارته، إنها فزعة الرجل الأبيض على هويته الوطنية والقومية والدينية والثقافية من الطوفان العولمي، الذي أتاح حرية تنقل البشر بين الدول بدون حواجز، الفزعة على الهوية، وراء الذين صوتوا لصالح الخروج البريطاني، صوتوا ضد حرية انتقال البشر إلى بلادهم، ووراء فوز ترامب الأميركي، وستكون في الغد وراء فوز ترامب الفرنسي، إنها ثورة أو انتفاضة أو انفجار الهويات الضيقة ضد مهدداتها المتوهمة، والشعبويون استغلوا مناخ الفزع على الهوية، واستثاروا الغرائز الأولية للجماهير بشعارات: الهوية الوطنية مهددة من الغزو الأجنبي: في تدفق المهاجرين، وتزايد نسل المقيمين، بما يشكل خطرا على الخريطة الديمغرافية بحلول منتصف القرن الحالي، ولهذا تعالت صيحات: فرنسا للفرنسيين وألمانيا للألمانيين، إنها فزاعات التخويف واللعب على أوتار الغرائز والترويج لهوية وطنية في خطر، وتقديم اللاجئين كبش فداء، مع أنهم رافد اقتصادي جاهز،عجزاً عن حل المشكلات، وهروباً من مصارحة الجماهير بأسبابها الحقيقية، عادت أوروبا إلى جذورها التعصبية.
أخيرا: أليس لافتاً أن أوروبا فزعة على هويتها من الآخر الذي لا تبلغ نسبته الأقصى 10 % من المواطنين، بينما الخليج يحتضن 200 جنسية، تصل نسبتها الأقصى 90 % تعيش في سلام وتسامح، وفي الوقت الذي يتعرض فيه، البناء الأوروبي. ما يعد نموذجاً للتكامل الإقليمي، للتفكك، نجد الخليج يسعى لمزيد من التعاون والتكتل؟!
بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
12/12/2016
3578