+ A
A -
الأيام القليلة الماضية كانت أيام عنـف ودماء وتـفجيرات في أكثر من مكان، وأغلب ما يحدث هو فعل ورد فعل في دوامة لا تـنـتهي! لا بد للعالم إذا كان يفهم أن يخرج من هذه (الدائرة الجهنمية) المستمرة مادام منطق الحسم العسكري هو الغالب في مناطق التوتر والعنف! الحتمية التاريخية التي يحاول البعض تجاهلها تـقول العنف يولد العنف لا السلام والمفاوضات، كما أن الصمت الدولي عن الجرائم التي تُرتكب ضد الأبرياء يكون بمثابة البنزين على النار المشـتعلة في الشرق الأوسط خاصة!
أولا، لا يمكن الحديث بإسهاب عن أعمال التـفجيرات العنيفة التي تحدث تباعا في عواصم ومدن دول الشرق الأوسط.. وبقية دول العالم بدون التـوقف والتـذكير بالمأساة التي يعيشها الشعب السوري الأعزل! وذلك ليس بسبب وجود معايـير مزدوجة أو قياسات مختلفة لحرمة الدماء ولكن بسبب أن مأساة الشعب السوري خاصة في حلب وريفها بلغت حدا من العنف المقصود والمخطط له من قبل دول عظمى وفي ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي وتجاهل لمأساة هذا الشعب وانعكاساته على الأمن الدولي والاستـقرار الإقليمي.
«يداك أوكتا وفوك نـفخ» مقولة عربية شهيرة ربما تعكس واقع ما يعيشه العالم عامة ومنطقة الشرق الأوسط بالذات من منطلق أن العنف لا يولد إلا العنف، أو كما تقول العرب في أمثالها، لا يمكن للعالم أن يجني العنب من المذبحة التي تُرتكب ضد الشعب السوري الأعزل! والأزمة السورية أصبحت اليوم أزمة مركبة حيث يقـتل أعداء سوريا الشعب السوري الأعزل بدم بارد ويخذل أصدقاء سوريا الشعب السوري البريء بتصريحات باردة فـتجمد الضمير الإنساني بالكلية!
العنف الذي يمارس ضد الشعب السوري من قبل روسيا وحلفائها بهذا الشكل الهمجي يساهم في سقوط مدوّ لكل القيم والمبادئ التي من الممكن أن تؤثر على السياسة في كافة مناطق العالم كما ساهم فعلا في سقوط كل الهيئات وتشكيلات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية التي جاهد العالم طويلا لبنائها وتطويرها. الصمت الذي يلف العالم بكافة قواه السياسية والاجتماعية والثـقافية تجاه ما يحدث للسوريين يساهم في سقوط قواعد الاستـقرار ويقـزم حتى أعمال العنف في مناطق العالم المخـتلفة بفعل فقـدان الأمل في معالجة مشاكل العالم إلا بالعنف والحسم العسكري!
ومما يزيد الطين طينة أن ردود الأفعال السياسية على المستوى السوري والإقليمي والدولي تجاه المجزرة التي تٌرتكب ضد الشعب السوري الأعزل هي ردود فعل مضحكة ولا ترتقي إلى مستوى الحدث بل وتـشير إلى فقدان المنطق السياسي والاستراتيجي في النظر لهذه الأزمة العميقة! على سبيل المثال، لو قرأنا تصريح رياض حجاب المتسرع الذي قال فيه «إن لدى المعارضة السورية رغبة في استـئـناف المفاوضات من جديد»! لقرأنا مرارة الواقع السوري خاصة عندما يتحدث من لا يعيش تحت رعب البراميل المتـفجرة أو المحملة بغاز الكلور عن مفاوضات أخرى.
على المستوى الإقليمي تـنطلق مناشدات فقط لوقف المذبحة في حلب وهي في غالبها تعبـيرات تحمل قوة بلاغية لكن لا شيء أكثر من ذلك! يشعر المراقب أن أصدقاء سوريا مكتـفون بلجام من نار لا يقل رهبة عن قنابل النار التي تحرق السوريين البسطاء في قرى وبلدات الريف الحلبي! يقال دائما إن السياسية ليس فيها مشاعر إنسانية، لكن يفـترض حقيقة أن السياسي الذي هو غير قادر على فعل شيء له قيمة لا يلعب لعبة سياسية قذرة على حساب الشعب السوري المعذب!
بالتطابق المدروس، حاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري لعب دور الضاغط النـفسي على الروس ونظام الأسد عندما حاول التـقاط خيط المفاوضات ونـفخ روح المماطلة فيها من جديد! أو عندما قال مثلا «سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب في سوريا»! عجبا، هل يحاول وزير الخارجية المغادر، وإدارته تجهز حقائبها للرحيل، أن يوحي للعالم أن هناك من يقف ويدعم الشعب السوري أو يقاوم العدوان الروسي الإيراني المتوحش؟ كيف يحدث هذا والعالم كله يفهم اللعبة! ويفهم أن أميركا نـفسها تمنع تسليح السوريين كما تمنع الدفاع عنهم وتحظر تحريك أية أوراق ضغط سياسية أو اقتصادية على المعتدين ولن يقال عسكرية لأن ذلك في الاستراتيجية الأميركية من سابع المستحيلات!
إزاء هذا الخذلان الإقليمي والدولي للشعب السوري في مأساته المستمرة يـبدو أن العالم لن يذوق طعم الاستـقرار ومستويات العنـف ستـشهد تصاعدا رهيـبا ليس من فعل الشعب السوري المعذب والمهجر ولكن بفعل «حتمية تاريخية» هي من سنـن الكون وليست من سنـن السياسة ومخـتصرها يقول «العنـف يولد العنـف لا السلام»!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
13/12/2016
4739