+ A
A -
أبدأ مقالي بهذا الحديث عن محمد بن حسان السمتي حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار.. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار».. قال أبوداود وهذا أصح شيء فيه يعني حديث ابن بريدة القضاة ثلاثة..

نعم.. المتضرر الأول والأخير، هو «المتقاضي» الذي قد يجد نفسه ضحية نافذين في عالم السلطة أو المال..!! الخبراء يعتبرون طبقاً للقانون أعواناً للقضاة بما ينبغي معه أن يكون الخبير نزيهاً ومحايداً وعادلاً وأن يبحث المسألة المعروضة أمامه بحثاً علمياً بحيث يصل إلى الحقيقة ويقدمها للمحكمة التي غالباً ما تحكم بمقتضى النتيجة التي توصل إليها الخبير في تقريره.

الخبير القانوني سواء كان محاسباً أو طبيباً أو مهندساً أو مثمناً عقارياً أو فنياً لا بد له أن يمتلك العديد من المؤهلات والمهارات التي تمكنه من إعداد التقارير الموضوعة الشاملة التي تسهل على القاضي الوصول إلى الحقيقة بأقصر الطرق..!! وعلى الخبير القانوني ضرورة فهم طبيعة الإجراءات القضائية والقوانين المنظمة والحاكمة للنزاعات التي تحكم العلاقات في المجال الذي يعمل به، فضلاً عن طبيعة درجات التقاضي وكيفية الطعن على الأحكام القضائية حتى يتسنى له الاستفادة من هذه المعلومات عند كتابة التقارير الفنية بهدف خدمة العدالة في نهاية المطاف. إلى أن كثيراً من الخبراء العاملين في مجال الخبرة القانونية لا يدركون مدى أهمية التقارير الفنية التي يقومون بكتابتها التي يمكن أن تساهم في حل المنازعات وبصورة عادلة.. بصراحة أقولها بأن أغلب القضايا تحتاج إلى خبرة طويلة في أي مجال، وهو الأمر الذي لا يتوافر حتماً في حديثي التخرج، أو الممارسين الجدد لهذا العمل، وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إعداد التقرير بطريقة قد تؤدي إلى خسارة أحد الأطراف حقه نتيجة لعدم وجود خبرة كافية لدى معد التقرير، كما أن هذا الأمر يضع أعباء إضافية على كاهل القضاة والمحاكم..!! وهذا حدث معي شخصياً وكثير من المتقاضين من هم على شاكلتي..!!

ومن جهة أخرى أرى أن عدم وجود معايير موضوعية منضبطة لاختيار الخبراء القانونيين وفقاً لمؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية، وإنما أي إنسان يستطيع أن يفتح مكتب محاسبة أو مكتب تسويق عقاري يمكن أن يمارس الخبرة القانونية، رغم عدم درايته بالأمور الفنية الخاصة بالمهنة التي يمارسها، فضلاً عن افتقاده للخبرات القانونية التي تؤهله لفهم طبيعة العمل القانوني، وكيفية كتابة التقارير الفنية التي يستعين بها القاضي في إصدار أحكامه القضائية.

مثال.. قائمة الخبراء المحاسبين المعتمدين في بند أعوان القضاء، يبلغ عددهم تقريبا 60 خبيراً تم قيدهم دون معرفة الأسس والمعايير التي تم إدراج هذا العدد من الخبراء، رغم أن منهم موظفين في دوائر حكومية وشركات خاصة، وهو الأمر الذي يفقدهم مبدأ الاستقلالية، كما أنه ليس هناك تصنيف واضح لخبرات ومؤهلات الخبراء المحاسبين، لدرجة أنه يمكن لشخص ما أن يعمل كخبير في قضايا التحكيم والحراسة والتصفية دون أن يكون لديه الخبرة الكافية، التي تؤهله لعمل تقرير يمكن أن يستند إليه القاضي في إصدار حكمه.. وبصراحة الوضع الحالي للخبراء القانونيين يحتاج إلى إعادة نظر..!!

لأن الخبراء يعتبرون من أعوان القضاة وفقاً للقانون.. وباعتبارهم من أعوان القضاء، فإن امتناعهم عن القيام بما هم مكلفون به، أو قيامهم بأي تصرف يضر بأي من أطراف الدعوى.!!

من المهم وضع إطار واضح لتنظيم عمل الخبراء بالمحاكم، وأن هناك كثيراً من الملاحظات على الوضع الحالي لهؤلاء الخبراء، خاصة فيما يتعلق باختيارهم والإشراف عليهم وتقييمهم. وضرورة تشكيل لجنة أو إدارة للخبراء تابعة لوزارة العدل مبدئيا لحين صدور قانون جديد ينظم أعمال الخبرة، لا يوجد قانون خبرة منتظم يساعد في سهولة الإجراءات بالمحاكم وإنجازها في أسرع وقت ممكن، وأن الخبراء المقيدين الآن غير تابعين لوزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء، الأمر الذي قد يؤثر على سير القضية كاملة، وأن بعض الخبراء قَدْ يقعوا في أخطاء فادحة وقضايا تهم الرأي العام.. هناك مخالفات وقصور واضحة من جانب بعض الخبراء في أداء المأموريات التي يتم تكليفهم بها من قبل المحكمة وعدم تكليف أنفسهم عناء البحث والتحري والعمل بشكل روتيني للحصول فقط على الأتعاب التي قررتها المحكمة لهم.. ومن الملاحظ أيضا طول المدة الزمنية غير المبررة في إعداد التقرير التي قد تصل إلى شهور أو ربما لسنوات، الأمر الذي يعطل الفصل في القضايا، بجانب الأخطاء والعيوب والنقصان في التقرير، الأمر الذي معه تضطر المحكمة إلى إعادة ملف القضية من جديد للخبير لتصحيح وتصويب هذه الأخطاء والعيوب واستكمال النقصان.

على المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وضع قوانين رادعة لضم خبراء تابعين لهما بدلاً من حالات الانتداب الأخرى التي تؤثر على القضايا، لا سيما أن الخبراء هم أعوان القضاة في بث الطمأنينة ونشر الحقيقة.. ولابد من تطوير الوضع الحالي للخبراء القانونيين ومراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للعمل في هذه المهنة خاصة قرار رئيس المجلس الأعلى للقضاء رقم (29) لسنة 2008 بتنظيم قبول وتصنيف الخبراء أمام المحاكم.

في الدول الأخرى هناك تشريع يخدم أعمال الخبرة خاصة أمام المحاكم، بحيث يتضمن هذا القانون الشروط التي يجب أن تتوافر في من يتولى أعمال الخبرة، وكذلك كيفية أداء الخبير لعمله والحقوق والواجبات الملقاة على عاتقه، وكذلك كيفية تأديب الخبير في حال المخالفات والتجاوزات وعدم التزامه بما تفرضه عليه المهنة من واجبات.

وأؤكد مرارا وتكرارا يجب إعادة النظر في آلية جدول تسجيل الخبراء، فليس كل من تقدم بسيرته الذاتية يصلح أن يكون خبيراً، بحيث توضع شروط ومعايير يكون على أساسها الاختيار منها حسن السيرة والسلوك والأمانة والنزاهة والشرف والكفاءة والخبرة في مجال تخصصه.

وأخيراً.. يؤكد الخبراء أنفسهم أن المهنة في أمس الحاجة إلى تعديل شامل للقانون المنظم، بنصوص تتضمن إجراءات وتدابير لتعزيز نزاهة المهنة وتخليقها..

الخلاصة.. يجب وضع إطار قانوني حديث وفعَّال لمزاولة وتقديم أعمال الخبرة الفنية والمتخصصة على مستوى الدولة، ليس فقط في الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم العدلية، بل كذلك أمام جهات التحكيم والتحقيق المختلفة، وكذلك أمام الجهات الحكومية والإدارية والهيئات والمؤسسات العامة والقطاع الخاص كالبنوك والشركات وغيرها من الجهات التي تحتاج أعمال الخبرة..!

بقلم عبدالله غانم المهنـدي
copy short url   نسخ
01/05/2016
7667