+ A
A -
تزايدت احتمالات ظهور «قراصنة الساحل الصومالي» من جديد بعد تحذيرات منظمة «اوشنز بيوند بيراسي» التي تطالب بعدم سحب سفن حربية تجوب هذه المنطقة، خشية انفراط الأمن من جديد.
كان وجود هذه السفن التي تنتمي إلى عدة دول أوروبية إضافة إلى أميركا، قد أدى إلى تراجع ظاهرة القرصنة، لكن بالمقابل انتشرت سفن الصيد غير الشرعي، وكان آخر ظهور لقراصنة الصومال في مارس من العام الماضي عندما هاجموا سفينة صيد إيرانية. وهناك أسرى آخرون في قبضة هؤلاء القراصنة، لا يعرف حتى الآن مصيرهم، وما إذا كانوا، أصلاً، على قيد الحياة.
زرت الصومال مرة واحدة، وكان ذلك في أواخر الثمانينيات. أجريت يومها حوارا مع الرئيس الأسبق سياد بري.
كان واسطة التواصل مع الرئيس الصومالي صهره الجنرال عبدالرحمن عبدي حسن، وكان يومها قائد المليشيات (جيش رديف)، وأصبح لاحقاً سفيراً في منطقة الخليج قبل أن يهاجر إلى أميركا.
تحدد موعد الحوار مع الرئيس سياد بري في «فيلا صوماليا»وهي بمثابة القصر الرئاسي، في الثانية فجراً.
كان موعداً مثيراً للحيرة، لكن عندما يتعلق بالأمر بالرئيس بري، لم يكن يجرؤ أحد على السؤال.
عندما دخلت مكتبه الرئيس وجدته منكباً على توقيع رسائل إلى البنك المركزي لصرف عملات أجنبية لوفود صومالية رسمية لديها مهام خارج البلاد.
عندما شاهدت «رئيس دولة» يؤدي عملا يفترض أن يتكلف به موظف صغير في وزارة المالية أدركت وقتها أن البلاد مقبلة على كوارث.
انتظرت رفقة الجنرال عبدي حسن فترة طويلة حتى يفرغ الرئيس بري من توقيع جميع الأوراق.
أتذكر أنني استعملت في تحية الرئيس الصومالي بعبارة مفادها «جالي مادح وينا».
عبارة تعني «الرفيق الرئيس»، وهو لقب كان يحمله سياد بري عندما كان نظام حكمه موالياً لموسكو، واحتفظ به حتى عندما استدار غرباً.
حاول بري آنذاك أن يصحح لي نطق الجملة، وأمضيت وقتاً في محاولة تعلم النطق الصحيح لتلك العبارة.
نحن نعرف كيف مرت السنوات منذ سقوط سياد بري عام 1991.
إذ سقطت الصومال في مستنقع حرب أهلية وتمزقت خريطته، وتحولت سواحله إلى «شواطئ قراصنة» وعلى الرغم من أن العالم كله توحد لمحاربة هذه الآفة، لكن من الذي يضمن أن القراصنة الصوماليين سيقلعون عن هذه «المهنة» التي تدر عليهم أموالا طائلة، طالما أن بلادهم تعيش حالة فوضى مع المتاعب التي تواجهها الحكومة المركزية، ولا يكترث أحد في العالم أصلا بهم.
الصومال نموذج للعبث والفوضى في أسوأ حالاته. بلد لا توجد به لا طوائف ولا أعراق ولا خلافات دينية أو لغوية وعلى الرغم من ذلك يعيش فوضى لا مثيل لها، وإذا استمر الأمر على هذا المنوال لن تنتهي أزمة الصومال حتى تتقاتل آخر مجموعة صومالية مسلحة، وما تبقى من غير المسلحين تتكفل بهم المجاعات والأوبئة.
تذكرت هذه الوضعية السوريالية، عندما تلقيت دعوة من مركز بحث إيطالي، للمشاركة في طاولة نقاش أكاديمي حول الأسباب التي جعلت «الصومال نموذج الدولة الفاشلة في العالم». لم يعد الصومال لوحده الآن، إذ انضمت له «دول» أخرى في المنطقة.
ظني أن الأمور اتجهت نحو الأسوأ عندما اعتمد سياد بري نظاما شموليا خانقا منذ عام 1969 وحتى عام 1991 حين انهار حكمه، لكن الأمور ستزداد سوءا، حين قرر اعتماد الولاء القبلي أساسا للحكم، ولم يكتف بتقريب ابناء قبيلته «الدارود» بل ذهب أبعد من ذلك ليوزع مواقع السلطة على عشيرته «المرحان».
وكان ما كان.
copy short url   نسخ
17/12/2016
4601