+ A
A -
من يعود إلى تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب «دونالد ترامب» خلال حملته الانتخابية، ويراجع أفكار بعض الأشخاص الذين سينضمون إلى إدارته لا بد وأن يسأل: هل المسلمون حقاً بهذه الخطورة؟ هل هم مخيفون إلى هذا الحد؟ والخوف منهم والقلق من الإسلام عامةً لا يقتصر على إدارة ترامب بل ينتشر في الغرب كله.
وهو ليس بأمر جديد وإنما يرجع إلى قرون مضت. لكن منذ ما كتبه هنتنجتون عن صراع الحضارات في 1989 وما فعله بن لادن لإحدى قلاع الحضارة في 2001 ونصيب المسلمين من الكراهية في تزايد لافت.
مستشار الأمن القومي الأميركي القادم «مايكل فيلين» له كتاب بعنوان «ساحة القتال: كيف نربح حرباً عالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه»، ألفه مع «مايكل ليدين» واحد من عتاة اليمين المتزمت. قال فيه: «نعم المسلمون بالخطورة التي تقال عنهم». فالإسلاميون من وجهة نظره كلهم راديكاليون، والإسلام مسؤول عن فشل الحداثة في الشرق الأوسط، وأصبح سرطاناً متفشياً، والمسلمون يتعاملون مع نص قديم لا ترجى منه فائدة، والشخصية المركزية في الإسلام تعيق التقدم، والمسلمون يعيشون المظاهر، ويدعون أن كل أمورهم على ما يرام بينما لا يوجد أمر واحد من أمورهم على ما يرام، ويريدون فرض قانونهم الإلهي الذي يظنونه معصوماً على العالم مع أنه لا يزيد على معتقد قبلي يجب أن يسحق. وبالمقارنة مع ستالين وموسوليني فإن الإسلاميين يدافعون عن معتقد همجي، ولا يقبلون بالقانون الأميركي إلا بالقدر الذي يمكنهم من تطبيق الشريعة.
وليست هذه الاتهامات إلا غيضا من فيض أوصى «فيلين» قادة الولايات المتحدة على أساسها بعدم إسكات أي نقد يوجه إلى الإسلاميين الذين يجب أن يسمعوا الأوصاف التي يستحقونها وأن الأميركيين يجب ألا يشعروا بالخجل وهم يطلقون تلك الأوصاف على قتلة محرضين يمثلون حضارة فاشلة، هي عينة من فكر رجل واحد سيكون له تأثير على علاقة المسلمين بأميركا والغرب عامةً في الفترة القادمة.
ولا تختلف شخصيات أخرى ستنضم إلى إدارة ترامب كثيراً. «بن كارسون» مثلاً الذي اختير وزيراً للإسكان يرى أن ظهور الدولة الإسلامية كان حتمياً لأن العنف متأصل في الإسلام وهو ما يستدعي تنبيه الناس إلى خطورة الرؤية المروعة لدى المسلمين. ولا يختلف آخرون مثل «مايك بومبيو» المرشح لمنصب مدير وكالة الاستخبارات و«كلير لوبيز» المرشحة كنائب لمستشار الأمن القومي و«جيف سيشنز» المرشح لمنصب النائب العام.
ومثلما أن الأمانة تقتضي من المسلمين ممارسة النقد الذاتي لأنفسهم والاعتراف بأنهم لا يتمتعون بعصمة ولا ملائكية تخصهم وأن لديهم من العنف ما يستحق أن يحاسبوا أنفسهم عليه، فإنها تقتضي أيضاً التنديد بالطرح الفج والسمج الذي يسوقه عناتلة اليمين الغربي الجهول بالمسلمين وما يقومون به من شيطنة لكل شيء يمت للإسلام بصلة. لكن ما يفعلونه ويقولونه وإن بدا أقرب إلى السير نحو هاوية إلا أنه قد لا يكون إلا خاتمة لذلك التصعيد المتكرر ضد المسلمين منذ انهيار الشيوعية وعلى مدى ربع قرن.
فالعلاقات مع المسلمين لا يمكن أن تصل إلى أسوأ مما وصلت إليه. وإذا كانت جبهات جديدة للصدام مع المسلمين تنفتح هنا وهناك، إلا أن مشكلات المسلمين مع العالم ليست إلا جملة اعتراضية في العلاقات الدولية مقارنةً بمشكلات أشد تعقيداً تنتظر أن تنفجر بين الغرب وروسيا وبين الغرب والصين.
نعم المسلمون فيهم خطورة لكنها ليست فيهم كلهم كما أن دينهم مهما شوه فليس بالخطورة التي يراها فيه متشددو الغرب. بل إن الجماعات الجهادية التي يعتبرها الغرب اليوم خطيرة ويعمم بسبب أفعالها المشينة على الإسلام كله كان بالأمس يدعمها ويشيد بها خلال الحرب الباردة ضد الشيوعية.
وبعيداً عن أي حكم يصدره الآخرون على المسلمين فإن الأخيرين أولى بأن يدركوا ما فيهم وما فيهم من خطر. فليس أخطر على المسلمين من بعض المسلمين. وليس أخطر على الإسلام من المسلمين أنفسهم. إن ما يعيشه المسلمون في العالم من اضطراب لا يزيد على معمعة صغرى. معمعتهم الكبرى تبقى داخلهم على هيئة صراعات يجب أن يخوضوها لاسترداد دين عظيم اختُطف لقرون من غلاة وطغاة وبغاة ولإبرازه من جديد كمنظومة أفكار صديقة للإصلاح ومحبة للانفتاح.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
19/12/2016
4373