+ A
A -
بعد تصاعد المجازر في سوريا وتحولها إلى حالة من الهولوكوست الجماعي الذي يستهدف القسم الأعظم من الشعب السوري ورغم المشاركة المعلنة لقوات إيرانية وميليشيات رديفة لها بالإضافة إلى غطاء عسكري روسي يعتبر الأهم بعد حرب الشيشان ومن قبلها أفغانستان، مازال البعض يعتبر أن الصراع في سوريا يدور بين «دولة» وجيشها من جهة ومجموعات «إرهابية» من جهة أخرى.
إن المشكل في الأزمة السورية ورغم تعقد ملفها وتحولها إلى معضلة في حد ذاتها بالنظر إلى تداخل القوى المتصارعة فإنه من الصعب أن يغض الملاحظ الموضوعي النظر عن المجازر البشعة التي لحقت المدنيين على يد الميليشيات النظامية التابعة لبشار الأسد وخاصة المرتزقة الذين يدعمونه ويجمع بينهم الحقد الطائفي والمصلحة والحسابات الإقليمية.
وإذا كان من المستهجن أن تجد من يبرر لهذه المجازر لأنه في النهاية يرتقي إلى مرتبة الشريك في الجريمة باعتباره مجرد أداة قذرة تضفي المشروعية على أشد أنماط السلوك البشري انحطاطا ووحشية، فإنه في المقابل نجد البعض ممن يحاول ادعاء الحياد تحت دعاوى مختلفة بداية من وصف الصراع بأنه نزاع بين أطراف دولية أو أن المتورط فيه جهات إرهابية وبغض النظر عن وجود بعض الصواب في هذا القول إلا أنه لا يصلح أن يكون تبريرا للصمت على المجازر المتنقلة بداية من حمص وجسر الشغور ودرعا والغوطة الشرقية وليس انتهاء بحلب.
فإدانة جرائم الحرب أسمى من أن ترتبط بولاءات حزبية أو حتى تصورات عقدية إنها تتعلق بجوهر الإنسان بوصفه كائنا ينبغي صيانة ذاته البشرية من الانتهاك والتعدي.
وما جرى في حلب أخيرا من أعمال وحشية اقترفها مرتزقة النظام وهلل لها أنصارهم باعتبارها نصرا مؤزرا لا يمكن أن تغطي وجه الحقيقة في أن الضحايا هم من المدنيين العزل الذين تم سحل بعضهم وتهجير بقيتهم من ديارهم بغير حق.
فعمليات السحل والقتل على الهوية والتهجير الجماعي هي أعمال ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، ولا يمكن تبريرها أو السكوت عنها ناهيك أن الطغيان ذاته الذي يمارسه النظام المختل في سوريا بما هو انتهاك للحقوق الأساسية للإنسان يشكل كارثة ليس لها حدود ألم يقل مونتسكيو يوما إنه «ما من شر أعظم وما من استتباعات أخطر من التسامح مع الاستبداد، إنه يؤبده».
إن ادعاء الحياد في صراعات كهذه هو في الواقع انحياز للطاغية والقوى الظالمة المؤيدة له فالصمت هو شكل من أشكال التواطؤ غير المعلن.
بل إن كثيرا من هؤلاء «المحايدين» سرعان ما ينحازون إلى جانب الطاغية وهم قبل ارتكابهم لهذا الشر المحض مضطرون إلى اعتباره خيرا من خلال تبريرات متهافتة فالقول مثلا بمعارضة الأساليب التي يستخدمها النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب بوصفها غير مناسبة وفي ذات الوقت التبرير بأن الناس هناك يتحملون مسؤولية فعلهم لأنه ما كان ينبغي عليهم الثورة أو المطالبة بالحقوق وأن انتفاضتهم تحولت إلى أعمال إرهابية ينتهي في النهاية إلى القول بتأييد الإرهاب المستمر الذي يمارسه النظام ولكن بصورة خفية غير معلنة.
إن إدانة أي انتهاك لحقوق الإنسان ورفض أشكال العنف والقتل التي يمارسها نظام الطغيان ينبغي أن يكون واضحا لا لُبس فيه وبعدها يأتي الحديث عن تفصيلات الصراع مهما كانت وغير هذا الموقف ومهما كان الشعار الذي يعلنه صاحبه لن يكون مقنعا أو مُبررا من الناحية الإنسانية بما في ذلك ادعاء الحياد والزعم بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع وينبغي أن نتذكر دوما «أن أسوا مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى» كما قال يوما زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
20/12/2016
4952