+ A
A -
مأساة إنسانية جديدة تضاف إلى مجلد الأزمات التي يواجهها العرب بشكل خاص منذ أوائل القرن العشرين.. ما حصل في مدينة حلب الحاضرة التي أوصلت العراق بالشام وأوصلت الشام بالقدس لم يكن فقط دليلا إضافيا على ما وصلت إليه إنسانية البشر من انحطاط في عصر التكنولوجيا الذكية التي جعلت مشاعرهم غبية وأحاسيسهم ميتة، بل خطوة سيكون لها ما لها في تاريخ المدينة والمنطقة بشكل عام.
عادة ما تترك الصراعات بصمات سلبية على المناطق التي تحدث فيها أو على المناطق القريبة من مناطق الصراع، هذه البصمات قد تكون اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لكنها تبقى لفترة طويلة مؤثرة عبر أجيال متعددة. ولعل أخطر تلك البصمات هو التغيير الذي يطال العامل البشري سواء تعلق ذلك بعمليات التغيير السكاني وإحلال مجموعات سكانية مكان أخرى، أو العمل على تغيير الخريطة الديموغرافية نفسها من حيث التوزيعات العرقية أو الاثنية أو الدينية.
منذ العام 2003 وعمليات التطورات السياسية التي تعصف بالعراق تؤشر إلى أن ما يظهر على السطح من أحداث سياسية ليس كل الحكاية حول ما يحدث، وأن ثمة ما هو غير ظاهر لكنه جد خطير. ذلك الأمر متعلق باستهداف التجمعات السكانية ذات الهوية الدينية أو العرقية الواحدة وخلق واقع سياسي يبرر استهدافها، بحيث يتم شيطنتها أولاً تمهيداً لضربها أو تهجير سكانها بحيث تفقد تلك المدن أو التجمعات تلك الهوية التي كانت عليها. بالطبع لهذا تبعاته الاقتصادية والسياسية طويلة الأمد كذلك. الأمثلة على ذلك هي الفلوجة ومدن غرب العراق، وكذلك مراكز تجمع التركمان أو الأكراد. لقد كان واضحاً أن التغيير الديموغرافي أصبح سياسة ممنهجة بهدف خلق حقائق على الأرض تدعم أجندة السياسيين.
لم تكن سوريا إلا استمرارا لهذا المسار بحيث إن المدن الكبرى التي خرجت على النظام السياسي وأصبحت عصية عليه، أصبحت مسرحاً لمثل هذه الخطط. بالطبع ثمة تشجيع إيراني على مثل هذه السياسة بالنظر إلى أن خلق حقائق ديموغرافية جديدة قد يدعم يغير الديناميات السياسية والاجتماعية في تلك المناطق سواء في الوضع الحالي الذي تشهده سوريا أو في المستقبل لا سيما التحضير إلى تسوية سياسية.
تفكيك المجتمعات يبدأ باستهداف البنية الديموغرافية لتلك المجتمعات، ومتى استهدفت البنية الديموغرافية أصبحت المجتمعات كالريشة في مهب الريح. من هنا فإن خطراً حقيقياً يتهدد تلك المجتمعات التي تتعرض لمثل هذا التعدي على بنيتها الديموغرافية. يمكن أن تبني المدن المهدمة منازلها وتقيم البنية التحتية اللازمة في أشهر أو سنوات قليلة، لكن ما ذا حول البنية الديموغرافية التي تم تدميرها؟ ماذا حول التقسيم الممنهج وخلق مناخ العداوة؟ تلك مسائل تحتاج إلى عمل طويل الأمد وربما بطيء في تأثيراته.
قد تضع الحروب أوزارها، وقد تنتهي الصراعات بتسويات من أي نوع كان، لكن ذلك ليس كل الحكاية. تلك الحروب والصراعات تترك ندوبها على المجتمعات التي تعاني كثيراً من أجل استرداد بعض مما تستحقه من استقرار وازدهار. قد تتوقف المأساة في حلب لكن هذه هي قمة جبل الجليد القبيح، ثمة حاجة إلى عمل سريع ومؤثر لمعالجة سريعة تخفف من آثار الندوب التي تركها الصراع حتى تتوفر للأجيال القادمة فرصة للحياة الحرة الكريمة.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
21/12/2016
4587