+ A
A -
لن تجدي العودة لمراجعات 4 أعوام من تاريخ الثورة السورية، ذكّرنا فيها بأخطر منعطف يستدرج ميدان الثورة، وهو تفتيتها والتدخل الخارجي بها، رسمياً أو شعبياً وخاصة في توظيف مشروع السلفية الجهادية، وإنما ما يجب أن نعيده فقط، هو أخذ العبرة من هذه الدروس، وأن بشاعة استراتيجية العدو وشراكة الصديق في دعمه متواطئا أو متأولاً، لا تُلغي مسؤولية تنظيم البيت الداخلي للثورة، وحين ينتظم سيواجه هذه المنعطفات المدمرة، ويعبر منها.
ومن الصعب أن يوضع سيناريو لمستقبل الثورة تفصيلاً، لكن المؤشرات الكبرى واضحة للمراقب السياسي، بين إعادة اطلاقها، أو فنائها أي تصفيتها كليا، وبسط النظام والاحتلال الروسي الإيراني هيمنته على ارض سوريا، فنحن نتحدث عن رصد واقعي لسقوط جسم الثورة لا روحها، فالروح قد تتشكل في إطار آخر مستقبلا.
كما أن هذا السقوط لا يضمن للمحتلين والنظام، تصفية جيوب المقاومة للسلفية الجهادية بعد أن استثمروها في تفتيت الميدان، أو أي مقاومة أخرى لمشروعهم، ولا يضمن للأطراف العربية والإقليمية سلامة، ولا أمن اجتماعي سياسي، فمشهد النهاية للثورة السورية، بات أعمق من بركان احتلال وسحق العراق وأفغانستان.
ورغم أن فرص تركيا كانت أفضل بكثير، من واقع دول المشرق العربي التي تمزقت بين سقوط شامل، وبين وضعها تحت تهديدات الزحف الإيراني والفوضّى الخلّاقة، إلا أن مؤشرات التخطيط الدولي والإقليمي الآخر، عادت لتستعيد فرص صناعة الفوضى أمام تركيا، بعد فشل الانقلاب، مستثمرة الانفجار الضخم حولها، ومساحات التشقق التي جرت في الشارع التركي في قضية مواجهة جماعة غولن، والأكراد الماركسيين المسلحين، ثم المواجهة مع المعارضة السياسية.
وهو أمرٌ حذرنا منه مبكراً، ورجونا أن يُضبط الموقف السياسي في الداخل التركي، بحسابات دقيقة يتعزز فيها التوازن الوطني الاجتماعي، وتقلّص مساحات التدخل والثغرات، التي قد تُفتح تحت هذا الضغط، ومنها قيام جندي في مكافحة الشغب، بتحويل مشاعره العاطفية تجاه مجازر الروس في حلب، إلى عملية اغتيال لسفير له حصانة دبلوماسية يحرج موقف دولته.
واغفال آثار العصف النفسي مع الإقرار بخطأ المجند، لا يستقيم في فهم المشهد العام، مهما قيل عن توظيف جماعة هنا أو هناك، ومرجح أن تحتوي تركيا الموقف، غير أن مؤشرات الحادثة وغيرها كبيرة جدا، وتحتاج مرحلة طوارئ سياسية لا أمنية فقط، يبدأ عبرها حزب العدالة تنظيم الملفات الداخلية والاقليمية معا، ويتجه نحو تهدئة سياسية، هو من سيحصد آثارها والشعب التركي، لا خصومه الراديكاليين، ولا المشروع الإقليمي المعادي لتركيا.
إن إمكانات العبور التركي، عبر توافق مع موسكو وطهران مستقبلا، للخروج من آثار الحرب السورية، ليس له فرص واقعية على الأرض، تضمن استقرارا صلبا لوضع تركيا، فهناك تصور أكبر بين الحليفين الروس وإيران، مع شراكة أو قبول عام من أوروبا، لإحراج موقف أنقرة وتصعيد الضغط عليها، ووضع حزب العدالة في حالة صراع سياسي داخلي يؤدي إلى صدام يستدعي الجيش، أو انتخابات أخرى توقف مستقبله.
في حين عمليات الإصلاح والاستيعاب السياسي، وتحريك الحوارات الديمقراطية داخله، ومع المعارضين تضمن تخفيف هذه الضغوط، التي تحتاج إلى موجة مواجهة وطنية للفساد، تتزامن مع الضبط الأمني والاسترخاء الاجتماعي للشعب التركي.
وستبقى إعادة تنظيم الثورة السورية في إطار مختلف وبكيان موحد هو في ذاته، قوة لصالح أنقرة أكبر من أي رهان على الترتيبات مع موسكو، التي يثمن فيها جهودها الإنسانية لإنقاذ الشعب السوري، لكن حسابات الترتيبات الكبرى للمنطقة لن تحصد خيرا لتركيا مع المشروع الروسي الإيراني الجامح، وإن اضطرت انقرة لتحييده اليوم.
أما في واقع الخليج العربي فإن موقف إدارة ترامب، لا يختلف عن مجمل التقييم الأميركي الأخير، ويؤكد ذلك رسالة ترامب الأخيرة لقبوله المزعوم بترتيبات منطقة آمنة لسوريا، وأن الفواتير ستحال إلى دول المنطقة لتسديدها.
وعدم حماس ترامب لأي شراكة مع دول الخليج رغم مناشدته، شجع بريطانيا لطرح نموذج انتداب مطور، وكان واضحا الطمع الاقتصادي للإنجليز، لعودة مركزية للخليج، لكن الحقيقة أن هذه العودة لن تضمن رعاية أمنية وسياسية لكل ساحله، وإنما هو تدخل يسرق آخر ما تبقى.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
22/12/2016
4938