+ A
A -
عودتنا الأنظمة الاستبدادية العربية التي سادت على مدى أكثر من نصف قرن على أن مفهوم السيادة مرتبط بشخصية الرئيس القائد نفسه، الذي يقبض على زمام الحكم ويستأثر بالسلطة بين يديه، ويتفرد بممارسة سيادته بفوقية واستنسابية وصلافة. وهكذا، شهدنا سيادة الرئيس القائد، وسيادة الرئيس اللواء، وسيادة الرئيس المشير، وسيادة الرئيس العقيد و...
واستمر هؤلاء الحكام غير المنتخبين، الذين استمدوا شرعيتهم من «فوهة الانقلاب» ومن المتاجرة بقضية الشعب الفلسطيني، يمارسون سيادتهم على شعوبهم التي عانت من القمع والفقر والتخلف والحرمان.
وحين كان يتسنى لها كسب لقمة عيشها فان ذلك كان يقابله الصمت وكم الأفواه. في ظل السيادة تلك، لم يكن هناك مكان لا للاعتراض ولا للاختلاف ولا حتى لحرية التعبير، بل «المشي في صف السيادة» وفي إمرتها... كان الحاكم يمارس اذا السيادة على شعبه، وليس سيادة الدولة والوطن التي من واجب أي سلطة أو أي حاكم أن يدافع عنها.
سيادة لم يدافع عنها أي «سيادة رئيس» في وجه أي اعتداء أو عدوان خارجي، وبالأخص «سيادة» الرئيس بشار الأسد «المالك سعيدا» حتى يومنا، ولا والده من قبله الذي أورثه السلطة، طيلة أكثر من اربعين سنة من الاحتلال الاسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية والانتهاك المستمر لسيادة الدولة السورية...
ومع ذلك، فإن «السيد الرئيس» بشار كان يؤكد دوما على السيادة منذ أن اندلعت الثورة ضد حكمه في 2011، ويصر بالحفاظ عليها من شعبه الذي انتفض على حكمه المتسلط. وكان لا يفوت مناسبة الا ويطالب فيها بالسيادة، فيما كانت فرق من «الحرس الثوري» الإيراني تنتشر في مختلف انحاء سوريا للدفاع عن «سيادته» ويتبعها مقاتلو عناصر ميليشيا «حزب الله» اللبناني، وعناصر ميليشيا «أبو فضل العباس» العراقي وغيرها من الميليشيات الأجنبية التي يجسد وجودها على الاراضي السورية وقتالها إلى جانب بشار دفاعا عن السيادة السورية.
فهذا لا يتعارض بطبيعة الحال مع السيادة، السيادة هي برأي «سيادة الرئيس» نسبية واستنسابية. أما من يثور ويقاتل للتخلص من نظام قمعي استبدادي تحكم في رقاب السوريين، أبا وابنا أكثر من اربعين سنة، فيصبح إرهابيا، ومن يتدخل دعما لانتفاضة السوريين يصبح منتهكا للسيادة.
وفي نهاية سبتمبر 2015 أعلن الروسي بوتين أن الأسد طلب منه التدخل عسكريا، عندما اصبح النظام على حافة الانهيار. انها السيادة في خدمة السلطة! وبعد سنة أصبح الروسي بوتين هو من يعطي الأوامر و«يحمي» السيادة، ويعلن بعد إسقاط حلب ضرورة العمل على ايجاد حل سياسي للازمة.
واذ بالأسد «السيد» يتكيف مع طلبات الرئيس الروسي، ويتراجع عن تصميمه المعلن في تحرير كامل الأراضي السورية، رغم انه يسيطر على أقل من نصف مساحة سوريا. ثم يعلن أنه أصبح ممكنا «العودة إلى العمل السياسي» في سوريا، وكأنه يريد القول انه كان هناك حرية عمل سياسي قبل الثورة. وخدمة للسيادة أيضا يعلن بوتين عن توسيع القاعدة البحرية في طرطوس وتحويلها إلى منشأة دائمة، ثم ينشر فرقة من الشرطة العسكرية الروسية في حلب «من اجل حفظ الأمن» على الأرض، فيما مقاتلات السوخوي الروسية «تحمي الأمن من الجو».
ألا يشكل هذا التمدد الروسي انتهاكا للسيادة، لا بل سيطرة على زمام القرار؟ أم أن الأسد ما زال يتوهم أو يحاول إيهام الآخرين انه «صاحب سيادة»، وان الدور الروسي يصب في خدمة سلطته ونفوذه، وهو الذي لا يسيطر على أكثر من دمشق وبعض المناطق من حولها. انه لا يدري أن «سيادته» أصبحت في خدمة «القيصر الروسي» حاكم سوريا الجديد!
بقلم سعد كيوان
copy short url   نسخ
27/12/2016
4460