+ A
A -
كما جاء في مقالة الأسبوع الماضي أن الصين وبعد أن مر على عضويتها في منظمة التجارة العالمية خمسة عشر عاما تطلب الآن من المنظمة أن تعدل وضعها أو توصيفها من «اقتصاد غير سوقي» إلى «اقتصاد سوقي». السبب في هذا الطلب يتعلق بإجراءات الحماية الجمركية التي تقرها المنظمة في مواجهة سياسات الاغراق التي تتهم بها الصين. على سبيل المثال الطريقة التي يمكن لأعضاء منظمة التجارة العالمية استخدامها لحماية صناعاتهم ضد الواردات الصينية الرخيصة تختلف باختلاف توصيف المنظمة للصين.
إذا كانت الصين يتم تعريفها داخل المنظمة على انها «اقتصاد سوق» فحين اقرار رسوم الاغراق ضد المنتجات الصينية يتم النظر فقط لفارق الأسعار بين المنتج الصيني في السوق المحلى والسعر الذي يتم التصدير به. في سوق الدراجات الصينية التي يتم تصديرها للاتحاد الأوروبي الأن –على سبيل المثال-هذا الفارق حوالي 7% ومن ثم يجب تحديد رسوم مكافحة الاغراق بحيث لا تزيد عن هذا الحد. أما إذا كان توصيف الصين داخل منظمة التجارة العالمية هو «اقتصاد غير سوقي» كما حادث الآن فان قوانين المنظمة تعطى صراحة الأعضاء رخصة النظر للفارق في الاسعار ليس فقط بين السوق المحلى للصين والسعر العالمي وانما الفارق بين سعر المنتج في إي دولة نامية اخرى والسعر العالمي الذي تبيع به الصين. وهذا يعني – في حالة سوق الدراجات الصينية-أن دول الاتحاد الأوروبي يمكنها أن نتجاهل أسعار الدراجات الصينية المحلية وأخذ أسعار الدراجات المكسيكية الاقل كثيرا مما يمكن لدول الاتحاد الأوروبي في هذه الحالة أن تفرض رسوم اغراق تصل إلى 48.5% على وارداتها من الدراجات الصينية.
وهكذا يتضح ان هذا التوصيف الذي تطلبه الصين هو في غاية الاهمية لها اقتصاديا. حتى وان كان من الناحية الأيدلوجية غير مستساغ داخليا فلطالما يردد المسؤولون الصينيون على مسامع العالم عبارة أن اقتصادنا هو «اقتصاد سوق ولكن بطريقة صينية». فلماذا يطلبون الآن توصيف اقتصادهم «باقتصاد السوق الكامل»؟ بل الاكثر استغرابا انهم سيدافعون عن مطلبهم ولو ادى الامر إلى الذهاب إلى المحاكم الدولية وهو ما يعتبر متوقعا الآن حيث رفضت أميركا والاتحاد الأوروبي اعطاء الصين الضوء الأخضر أو الموافقة المبدئية على تغيير وضعها القانوني داخل المنظمة من اقتصاد غير سوقي إلى اقتصاد السوق.
ومن المتوقع ايضا ان تطول فترة الخلاف على هذا الموضوع حيث أن الخبراء القانونيين المختصين بهذه المسائل يؤكدون على إن منظمة التجارة العالمية لا تقدم تعريفا واضحا «لاقتصاد السوق». ومن ثم حسم هذا الامر لن يكون من اليسر أو السهولة بمكان وسيحتاج لمجهود ونزاع قانوني طويل سيستدعى أن تنتظر الصين سنتين على الاقل قبل أن يصدر قرار محكمة منظمة التجارة العالمية.
هذا وترى الحكومة الصينية أن عملية النكث بالوعود التي تم تأكيدها في 2001 حال انضمامها لمنظمة التجارة العالمية هو نوع من الهيمنة والسيطرة الأميركية والغربية انتقاما من الصين التي فازت على الغرب في ملعبه الاقتصادي وان هذا التعسف هو نوع من الاذلال الذي لن ترضى به أو ترضخ له وانه لا يصح ان يلعب الغرب دور الحكم وهو خصم في ذات الوقت.
وهكذا إذا لم يتم حل هذا النزاع التجاري العالمي العاصف يمكن أن تبدأ بين الصين والغرب وخاصة الولايات المتحدة التي أصبح يقودها تجار متشددون حرب تجارية شاملة بنتائج كارثية بالنسبة للاقتصاد العالمي. ومن الغريب أن يكون السيد «ترامب» –التاجر الأول في العالم الان-قد تحصل على الحرب التجارية التي كان يدعو لها خلال حملته الانتخابية كهدية من منظمة التجارة العالمية وقوانينها دون ما مجهود حقيقي منه.

بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
04/01/2017
4679