+ A
A -
في كل رصدنا لمسيرة حركة حماس وخاصة ذراعها العسكرية المتميزة كتائب عزالدين القسام، يتضح دائماً إمكانيات التجديد المنهك للعدو رغم محدودية قدراته، من ناحية الأرض والتمويل والعمق الجيوسياسي المخنوقة به غزة، خاصة بعد إعلان المؤسسة الحاكمة في مصر المقاومة الفلسطينية كعدو، وغزة كأرض معادية، وتطور العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، والذي برز مشهده الفاضح، في سحبه لقرار إدانة الاستيطان، ومبادرة مجموعة إسلامية وعالمية، بطرح بديل له، تم تمريره في مجلس الأمن.
وهو قرارٌ قد لا يمثل أي حالة تغيير ميدانية، بحكم انحياز الرعاة الدوليين بل شراكتهم في صناعة إسرائيل ودعهما إلى اليوم، إلّا أنه شكل اختراقا معنويا للتواطؤ الدولي في لحظة تباين محدودة، لأيام أوباما الأخيرة مع إسرائيل، فكان أكبر خاسر، الموقف المصري لنظام الرئيس السيسي وعهد الانقلاب.
والخنق الجيوسياسي، والخنق اللوجستي على الشعب الفلسطيني ناحية غزة، متواصل بلا هوادة، وهو هنا مجتمع الإسناد والاحتضان لحركة حماس وكتائب القسام، ومع ذلك فحجم الروح المعنوية والتضامن الشعبي مع المقاومة من شعب غزة في قوته، وهو أحد أسرار قدرات التجديد والإبداع لدى كتائب القسّام، وهو بلا شك إحدى نتائج، نجاح الحركة سياسيا في قيادة خالد مشعل، ومرحلة ما بعده التي يُعد لها المكتب السياسي إعداداً نوعياً يُظهر بالفعل قدرة وثقة، في مستوى أداء الحركة في ظل ظروفها الصعبة.
هذا البعد في النجاح السياسي يعطي حافزا طبيعيا ومهما، للجناح العسكري للمقاوم الفلسطيني، حين يكون محتضناً من شعب المقاومة وفي حالة رضا عليه رغم كل الحصار، وحين يكون تمثيله السياسي ديمقراطيا يأخذ صوت المقاومين بالاعتبار، فتتفهم المقاومة العسكرية دلالات نجاح قيادتها السياسية.
وتنسجم مع اجتهاداتها الصعبة، فتنطلق للإبداع الميداني التنفيذي، الذي يحوّل المحَاصَر إلى مُحاصِر، وقوة ردع وتخويف بإمكانيات ضعيفة، حوّلها الفكر الإبداعي والكفاح النضالي إلى قوس شرس، تعاني منه تل أبيب من داخل وجدان مجندّي الحركة الصهيونية الباطشين بالشعب الفلسطيني، إلى مكتب رئيس وزراء الكيان وطاقمه السياسي والعسكري.
وهذا الأمر برز بوضوح مؤخراً في قضيتين.. الأولى تأبين الشهيد محمد الزواري كقائد قسامي ينتمي لتونس العربية، ويشترك مع القساميين في معركة الكفاح العادلة التاريخية، للشعب الفلسطيني والأمة العربية والعالم الإسلامي والإنسانية العادلة، ومع أن عطاء الشهيد الزواري كان مميزاً في مستوى هندسة المقاومة الفنية، ونَقل بضاعته العلمية لرفاقه في القسام.
إلّا أن استشهاده أيضاً حُوّل لمعركة نفسية ضد العدو، في حركة التضامن والتفويج الشعبي لتأبينه بين غزة وصفاقس، بين فلسطين والمغرب العربي الكبير، وبذلك خسرت تل أبيب وحلفاؤها من الغربيين والاستبداد العربي، معركة نفسية ثقيلة، أحيت روح التضامن العربي مع غزة، وكل شعب ومقاومة فلسطين بقيادة القساميين.
ثم جاءت رسالة القصف النفسي في فيلم عيد ميلاد المجند الصهيوني المفقود شاؤول، وقبله تلميحات وتصريحات غير كاملة عن مصير الجنود المفقودين، الذين أبدعت الكتائب في ضبط ملفهم وصناعة الحرب النفسية الثقيلة، على المجتمع الإسرائيلي المحتل، وعلى حكومته، رغم كل القوة التي منحت لهم، وضمان موقف رام الله والقاهرة لصف تل أبيب.
هذه الهندسة النفسية لسلاح المقاومة، تسعى لرفع فاتورة السداد من جانب العدو لصالح الأسرى والأسيرات، والتي لم تخضع تل أبيب يوماً، إلا بحسب معطياتها وضغطها النفسي على مجتمعها، ولم تتحرك يوما قوة دولية واحدة لإطلاق أسير أو أسيرة تضطهد في سجون الاحتلال، وتلد رضيعها فيه، وهنا يكمن معنى الاختراق الجديد للمقاومة، وتجديد انتصاراتها في الحرب النفسية والقتال المعنوي الشرس، الذي قد تعطي بعض معاركه نتائج أكبر من الميدان القتالي.
كما أن القسام، يُحقق في كل مرحلة دلالة لمستوى قوته وعلاقته بشعبه، وتعطي حماسا في قيادتها السياسية العميقة والناجحة، عربون مؤشر لقوة حكمتها، في مشروع سميناه قديما دحرجة المقاومة، إذ أن ظرف احتلالٍ وتواطؤ عالميٍ شرس لعقود، لا يمكن لمقاومة، أن تهدمه بسنوات قليلة، لكن نجاحها هو دحرجة المشروع ليكون معنويا وسياسيا وميدانيا أقرب للمسجد الأقصى، هنا تُفهم معدلة النصر النفسي لسلاح القسّام الهندسي.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
05/01/2017
4544