+ A
A -
أغلب أو ربما جميع من يشاهد برامج الكاميرا الخفية التي يتم عرضها باستمرار عبر التليفزيونات العربية ووسائل التواصل الاجتماعي يتوصلون إلى نتيجة ملخصها أنها سخيفة. وبالمقارنة بينها وبين تلك التي يتم إنتاجها في دول الغرب يتبين حجم الفارق ونوعه وتتبين نوعية العقول التي تمتلئ بها رؤوس منتجي هذه البرامج في نسختها العربية. هناك تتم صناعة مواقف سريعة ترسم الابتسامة على وجه المشاهد الذي يدهش من الفكرة وعلى وجه من يتم اصطياده، وهنا تتم صناعة مواقف يبدو أن الهدف منها هو تبين منتجي هذه البرامج مدى قدرة «الضحية» على ضبط أعصابه وعدم إنهاء المشهد الذي يستغرق وقتا طويلا بارتكاب جريمة.
أخيرا انتشر فيديو قصير يتضمن موقفا من مواقف الكاميرا الخفية تم تنفيذه في غزة، ملخصه أن مقدم البرنامج ومعه اثنان يدخلون بقالة صغيرة فيطلب صاحبها علبة سجائر ولا يدفع ثمنها ويدعي أن البائع لم يرجع له بقية النقود ويصر على ذلك حتى تصل اللحظة التي يفقد فيها صاحب البقالة أعصابه، ولأنه يكون في هذه الحالة متهما ومطعونا في شرفه وأمانته ونزاهته ولا يتمكن من إقناع الثلاثة الذين يتعاونون على إيهامه بأنه مخطئ ويصرون على قولهم لذا يستل سكينا من جيبه ويقدم على طعن مقدم البرنامج طعنة نافذة تسقطه أرضا مضرجا بدمائه. حينها فقط يقول له أحد الثلاثة بأنهم إنما كانوا «يمزحون» معه وأن ما جرى كان مجرد موقف بغية توفير لحظة ضحك! لكن حين يكون الوقت قد فات.
في السياق نفسه انتشرت فيديوهات كثيرة كلها تتضمن مواقف توصل إلى نهاية مشابهة، لكن أحدها - وهو برنامج خليجي- تضمن موقفا حدث لمقدم البرنامج الذي تعود أن يأتي بأفكار ربما كانت هي الأكثر سخفا بين الأفكار التي يؤتى بها لإنتاج هذا النوع من البرامج التي صارت مقرفة وتؤكد فقر الإبداع الذي يعاني منه معدو البرامج التليفزيونية.
الموقف باختصار كان أن تقدم مقدم البرنامج وهو يحمل في يده الميكروفون ويتبعه المصور والمخرج، تقدم من مسن كان قد خرج من بيته للتو وبيده علبة مرطبات وسندويشا وبادره بسؤال عما بيده ثم بطلب أن يؤكله وقال له «اعتبرني ولدك وأكلني»، فما كان من المسن إلا أن تنهد وقال بصوت متهدج «ياما أكلت ولدي» فعاجله مقدم البرنامج بالقول «وليش ما اتأكله الحين؟»، قبل أن يصدم بالإجابة حيث قال الرجل وهو يبكي «لأنه مات».
مشهد يؤكد سخف هذا النوع من البرامج ومستوى «الإبداع» الذي وصل إليه البعض، ويؤكد الحاجة إلى اتخاذ المعنيين بالتليفزيونات العربية قرارا بمنعها وإفساح المجال لمن يمتلك قدرات إبداعية حقيقية لتقديم الجديد والمفيد. ما قام به «مبدع» ذلك المشهد المؤثر بعد أن تبين مقدار الألم الذي تسبب فيه للمسن حيث أقدم هو والمخرج على الاعتذار منه بتقبيل رأسه ومواساته لا قيمة له، تماما مثلما أنه لا قيمة لاعتذار من «أبدعوا» المشهد الذي انتهي بتوريط بريء في جريمة قتل.
بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
10/01/2017
4238