+ A
A -
تتزاحم اليوم داخل المكتبات الفرنسية، العديد من الإصدارات الحديثة الموقعة من طرف زعماء وقادة سياسيين من مختلف الحساسيات والاتجاهات، ذلك أن إصدار كتاب أو أكثر قد أصبح سلوكا تواصليا طبيعيا بالنسبة لمرشحي الاقتراع الرئاسي للجمهورية الخامسة، أو للمنخرطين على الأقل في معركة الانتخابات التمهيدية، سواء يمينا أو يسارا، ذلك أنه وتقريبا، دون اسثتناء، يمكن بسهولة العثور على مؤلف حديث لأي واحد من الشخصيات السياسية التي تضع ضمن أفقها السياسي قصر «الإيليزي».
في مقال صادر في جريدة ليبراسيون الفرنسية، في بداية السنة الماضية، يستعرض الكاتب الصحفي الفرنسي المعروف ألان دوهاميل «ما يسميه استراتيجية الكتاب السياسي، لدى الطبقة السياسية الفرنسية، حتى أنه كاد يتحول إلى ما يسميه تقليدا أدبيا مواكبا للرئاسيات الفرنسية، منذ بدايات الجمهورية الخامسة.
والواقع أن هذا التقليد، يجر وراءه خلفية تاريخية عميقة لزواج معلن بين السياسة والثقافة، في جمهورية الأنوار، جعلت كتابا كبارا يلجون عوالم السياسة من بوابة الكتابة، أمثال «توكفيل/شاطوبريون /مالرو»، كما شاءت أن يساهم كتاب وأدباء مشاهير آخرون، في لحظات مفصلية من تاريخ بلادهم السياسي من خلال منجزهم الروائي أو الأدبي «هيغو/زولا».
بعيدا عن هذه الخلفية العميقة، فالكتاب السياسي هنا، ليس بالضرورة جهدا تنظيريا يتطلب كفاءة خاصة، ولا عملا تخيليا يحتاج لحساسية أدبية رفيعة، ولا دراسة بخلفية أكاديمية وجامعية محكمة. إنه ببساطة مجرد مرافعة للفاعل السياسي دفاعا عن أفكاره ومشروعه وقناعاته، لذلك في كثير من الحالات فإن شرط الراهنية والسياق السياسي الخاص لزمن الكتابة، لايمنع من الحصول في النهاية على أعمال قوية استطاعت أن تتجاوز لحظتها التاريخية، لتصبح جزءا من كلاسيكيات الأدب السياسي الفرنسي، كما هو الحال مثلا بالنسبة لمؤلفات فرانسوا ميتران «الانقلاب الدائم/ نصيبي من الحقيقة»، أو كتاب بيير مانديس فرانس «الجمهورية الحديثة».
مغربيا، ومع الاحترازات الضرورية للمقارنة، يصح الجزم بغياب مطلق لما يمكن تسميته استراتيجية الكتاب السياسي. إذ في حقل سياسي مبني على ما سبق للأستاذ عبد الله ساعف أن وسمه بثقافة السرية واستراتيجية الكتمان، وعلى التقاليد الشفوية وتقنيات الرموز والرسائل المشفرة، فإن لجوء الفاعلين السياسيين - وهم لايزالون داخل زمن الممارسة- للتعبير الكتابي عن أفكارهم ومشاريعهم، لا يبدو لهم لعبة مفضلة لديهم، كما أن إصدارهم لمؤلفات حول تصوراتهم للحياة السياسية لا يمثل رهانا ذا أهمية معتبرة.
الواقع أنه خارج جيل الحركة الوطنية، حيث تألق نموذج السياسي المثقف «علال الفاسي، عبدالله ابراهيم، بلحسن الوزاني، عبدالرحيم بوعبيد، المهدي بن بركة...»، أو مع حالات «المثقف العضوي» كما برزت في جيل الاستقلال «عمر بنجلون، عزيز بلال،...»، يكاد السياسيون المغاربة، من الأجيال اللاحقة، مع استثناءات قليلة يدبرون مسارهم والتزاماتهم دون أن يمكنوا عموم الجمهور المتتبع من مقاسمتهم عمق قناعاتهم وجوهر أفكارهم وتصوراتهم للتاريخ وتمثلاتهم للمستقبل، ثم ينهون تجاربهم في السياسة والحياة، دون أثر مكتوب يخلد لمرورهم العابر، سواء في صنف الكتابة السياسية لحظة ممارستهم وفعلهم اليومي، أو في سجل المذكرات واليوميات، لحظة الانتهاء من تمرين التورط المباشر في العمل السياسي.
في المجمل يصح القول إيجازا، أن الكتاب كاستراتيجية للفاعلين السياسيين، ليس كائنا مغربيا، وهو في الغالب ليس عربيا كذلك.
بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
13/01/2017
5439