+ A
A -

إذا كنت تشكو من الانتهازية في شخصيات اعتادت استغلال الآخرين، ولا تعرف إلا مصلحتها ولو على حساب غيرها، فلا تندهش لأن هؤلاء ليسوا قلة قليلة والأغلبية من الناس يتعاملون مع غيرهم بالحق والنزاهة وفيهم من «يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصا».
ولا تندهش إذا علمت أن الانتهازية ليست في البشر وحدهم، ولكنها في الحيوانات والطيور أيضا وحين بحث العلماء في سلوك الحيوانات والطيور وجدوا نموذجا واحدا للانتهازية هو» طائر الوقواق» ووجدوا أن تصرفاته فيها من المكر والخديعة لا يقل عن سلوك المجرمين من البشر، مما يدل على أن الجريمة موجودة وهي انحراف في سلوك قلة من الكائنات، ومن ملاحظة أنثى الوقواق وجدوا أنها في وقت الإخصاب لا تبنى لنفسها عشا لتضع فيه البيض وترقد عليه مثل سائر الطيور، ولكنها تبحث عن العش الذي تعيش فيه طيور تضع بيضا يشبه بيض الوقواق في الحجم واللون، وقد شرح العالم الألماني» وولفانج فيكلر» الباحث في فسيولوجيا السلوك الحيواني بمعهد ماكس بلنك بألمانيا كيف يتشابه بيض الطائر المخادع مع بيض الطائر المخدوع، ونشر صورا لهذين النوعين من البيض.
تبدأ خطة الخداع بالبحث عن العش المناسب الذي يحتوى على بيض يشبه بيض الوقواق، وأذهل العلماء الذين راقبوا هذه الطيور أن وجدوا أنثى الوقواق وتراقب سكان العش المختار تقوم بتمثيلية لتخيف صاحبي العش فيهربان إلى حين، فتدخل العش وتضع بيضة بين بيض الآخرين، وتلتقط بيضة من الموجود فتأكلها أو تلقيها خارج العش، ويساعدها تكوينها على ذلك لأن حجمها مثل الصقر الصغير، وبذلك تخفي جريمتها تماما حتى أن الطير الطريد يعود إلى عشه لا يشك في أن كل شيء كما هو فيرقد على البيض بسلامة نية، ويظهر السلوك الانتهازي مرة أخرى حين يخرج فرخ الوقواق من البيضة فيبدو عليه العدوان من اللحظة الأولى فيقوم بعملية إبادة جماعية لأصحاب الوطن الأصليين، ويصف الدكتور عبد المحسن صالح هذه المذبحة بأنها لم يسبقها في ذلك أي طفل آخر من أطفال العالمين لا في الطير ولا في الحيوان. والأكثر من ذلك أن هذا الطير في بداية حياته وهو لا يزال أعمى وبلا ريش، فيقوم بزحزحة البيض بذيله إلى خارج العش في غياب أصحابه للبحث عن طعام، ويكرر ذلك إلى أن يخلو له العش ولا يكون فيه فرخ آخر سواه.
ولا يزال العلماء يبحثون عن السبب في أن طائر الوقواق لا يبنى لنفسه ولأبنائه العش المناسب وتمارس فيه الأم أمومتها مثل سائر الطيور، ولماذا يسلك طائر الوقواق هذا السلوك العدواني البشع منذ بداية حياته، وهل هي غريزة فيه؟ وكيف ترضى»الأم» بأن توزع أبناءها على بيوت الآخرين ولا تعرف عليهم بعد ذلك، كيف تجتمع العدوانية والجريمة وقسوة القلب في كائن واحد؟ وكيف يقابل الطائر الإحسان بالإساءة؟
والأغرب من ذلك أن فرخ الوقواق نهم للطعام نهما شديدا، وتظل الطيور ( أصحاب العش المخدوعين) في تقديم الطعام له.
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
14/01/2017
5633