+ A
A -
«في وداع عملية السلام بالشرق الأوسط»، ذلك هو الشرح الذي يليق بالصورة التي جمعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورؤساء الوفود المشاركة بمؤتمر باريس الذي انعقد الأحد الماضي لإحياء جهود السلام، بغياب الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقف المشاركون لالتقاط الصورة التذكارية مبتسمين مبتهجين، وكأن اختراقاً تاريخياً قد تحقق في المؤتمر.. بالنسبة للرئيس الفرنسي، للمناسبة بعد شخصي؛ فهو الآخر يودع الحياة السياسية، بعدما فقد فرصته بالمنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
توقيت المؤتمر، هو الآخر يبعث على السخرية، فقد جاء قبل أيام قليلة من تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية.. ترامب الذي كشف عن نواياه تجاه عملية السلام مبكراً، ونعى فريقه الرئاسي حل الدولتين، ويستعد لنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، في تحدٍ سافر لقرارات الشرعية الدولية.
من حضر المؤتمر من الجانب الأميركي، لم يكن في تلك اللحظة يمثل غير نفسه؛ إدارة تلملم أوراقها للرحيل، ورجلها الأول جون كيري، يجوب دولاً حول العالم في آخر رحلة سياحية قبل إخلاء مكتبه في الوزارة.
طوال أشهر مضت ظلت باريس تكابر، وتتمسك بمشروعها لتحريك مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
القيادة الفلسطينية بلا أمل، وما كان لها أن ترفض العرض الفرنسي، ودعمت جهود فرنسا لا لشيء إنما لتبقى ماكينة الدبلوماسية تدور حتى وإن لم تتحرك من مكانها.. ومع ذلك تراجعت باريس في اللحظة الأخيرة عن دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لحضور المؤتمر.
بنيامين نتانياهو أشبع المبادرة الفرنسية سخريةً وتهكماً منذ اليوم الأول لطرحها، واستقبل المبعوثين الفرنسيين بعبارات قاسية.. وما أن أعلن عن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، لم يعد يعبأ بباريس وموقفها.
العرب مثل القيادة الفلسطينية، لا حول لهم ولا قوة، هرولوا إلى باريس، وهم يعلمون علم اليقين أن المريض في العناية المركزة ولا أمل بخروجه حياً.. لقد كتب الصهاينة نهايتها، وهم مع فوز ترامب بصدد بعثها إلى المقام الأخير.
لم نفهم من حواراتنا المتكررة مع الدبلوماسيين الفرنسيين، سر التشبث بمبادرة ولدت ميتة أصلاً.. لكن كان واضحاً أن الجانب الفرنسي قد بنى رهاناته بالنجاح على فرضية أخطأ العالم كله بتبنيها، وهي فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات الرئاسية، باعتباره أمراً مسلماً فيه.
وعليه كان الفرنسيون على أمل أن واشنطن ستدعم المبادرة الباريسية، وتبني عليها خطوات للأمام، لا يستطيع معها اليمين الإسرائيلي أن يقاومها.. وفي ذلك فرصة لفرنسا لتحيي دورها في الشرق الأوسط عبر بوابة القضية الفلسطينية بعد أن تآكل دورها في سوريا بفعل الحضور الروسي الطاغي.
سقط هذه الفرضية بالضربة القاضية؛ كلينتون خسرت الانتخابات، وترامب المعادي لليسار الفرنسي والاشتراكيين يفوز رئيساً للولايات المتحدة.
ما كان لباريس أن تتراجع بعد الشوط الطويل الذي قطعته في التحضير للمؤتمر، فقررت المضي في عقده، مع قناعة مسبقة بأن اللقاء سيتحول لمجرد تظاهرة وداعية، يتمخض عنها بيان توافقي لا يزعج طرفاً.
وهذا ما حصل بالفعل.. مضامين البيان مليئة بالنوايا الحسنة، وفيها دعم صريح لحل الدولتين ومعارضة الاستيطان، دون التجرؤ على ذكر قرار مجلس الأمن الأخير بهذا الخصوص حتى لا يغضب ترامب.. وفي البيان أيضاً دعوات وتمنيات بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن البيان على ما فيه من رقة وتهذيب، ولغة دبلوماسية مهادنة، لم يجد تأييد كل الحاضرين، وتحديداً بريطانيا التي تحفظت على نصوصه، ورفضت التوقيع عليه.. وتلك المناسبة الثانية التي تخص الملف الفلسطيني، التي تقدم فيها الحكومة البريطانية برئيستها الجديدة أوراق الاعتماد لساكن البيت الأبيض الجديد، وحليفه نتانياهو.
انتهى الحفل الباريسي الأنيق بعد ساعات قليلة من المجاملات الدبلوماسية، وغادر الحضور، حاملين معهم ذكريات طيبة عن عملية سلام قاومت لسنوات، ورحلت بعد معاناة طويلة مع التجاهل الدولي، والغطرسة الصهيونية، والغياب العربي.
بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
19/01/2017
4264