+ A
A -
قامت «الحرب الباردة» على مبدأ «الأبواب المفتوحة» أمام حركة المال والأعمال.. وأمام حركة الحريات والأفكار.. وانتهت تلك الحرب بسقوط جدار برلين، آخر رمز من رموز الأبواب المغلقة.
قادت الولايات المتحدة الحرب الباردة حتى الانتصار. غير انها بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، تستعد للانقضاض على المبدأ الذي تبوأت من خلاله قيادة العالم الحر.
فالرئيس الأميركي الجديد يعتقد، ويعلن، ان التجارة الحرة دمرت الاقتصاد الأميركي. وهو يعتقد، ويعلن ايضاً، ان حلف شمال الأطلسي –الناتو- الذي كان يعتبر اليد الحديدية للدفاع عن الليبرالية والحرية وعن سياسة الأبواب المفتوحة، تحول إلى عبء على الولايات المتحدة.. وفي ذكرى سقوط جدار برلين، جدّد ترامب التزامه ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك..
أما الحريات الدينية التي طالما تغنّت الولايات المتحدة بأنها أساس كيانها، منذ قيامها على أيدي المهاجرين البروتستنانت الأوروبيين، فانها أصبحت –أو كادت- في خبر كان. فالرئيس ترامب معاد للهجرة بصورة عامة.. ومعادٍ لهجرة المسلمين بصورة خاصة.
واذا تمكن ترامب من أن يطبع السياسة الأميركية بطابعه العقائدي والسياسي والاقتصادي، فان الولايات المتحدة تكون قد ارتدّت على أعقابها، وتخلّت ليس فقط عن دورها ولكنها تكون قد تخلّت حتى عن هويتها. فالسياسة العامة التي رسمها ترامب لنفسه خلال حملته الانتخابية لا تشير فقط إلى رغبة في التحوّل من اليسار إلى اليمين، ولكنها تشير إلى ما هو أهم وأخطر، أي التحول من الانفتاح إلى الانغلاق.
من هنا السؤال: هل يمضي ترامب قدماً في سياسته؟.. وهل ينجح في تحقيق هذا التحول «الانقلابي» الخطير؟..وهل يتحمل المجتمع الأميركي هذا التحوّل؟.
في عام 1980 فاز الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان بالرئاسة، وبشكل غير متوقع ايضاً، كما حدث مع ترامب. وكان ريغان يمينياً متطرفاً، مثل ترامب أيضاً. الا انه لم يكن مليونيراً ولا صاحب مؤسسات مالية وتجارية. كان ممثلاً سينمائياً من الدرجة الثانية. الا انه كان يؤمن بمعتقدات دينية أشد خطراً من معتقدات ترامب السياسية. كان ريغان من المنضوين في الحركة المسيحانية الصهيونية يبلغ عدد أعضائها في الولايات المتحدة وحدها 70 مليوناً وتؤمن هذه الحركة بالعودة الثانية للمسيح. وبأن لهذه العودة شروطاً لا بد من تحقيقها بعمل الإنسان. ومن هذه الشروط قيام صهيون «اسرائيل»، وتعرضها لحرب من الأعداء الكفار (المسلمين وأنصارهم)، ومن ثم قيام معركة هرمجيدون الساحقة الماحقة (نسبة إلى سهل مجيدو الذي يقع بين القدس وعسقلان على ساحل المتوسط). وانه خلال هذه المعركة سوف يقتل الملايين من المسلمين واليهود معاً، ثم يظهر المسيح فوق أرض المعركة ليرفع اليه بالجسد المؤمنين به من اليهود، وينزل بعد ذلك إلى الأرض ليحكم العالم ألف سنة بسلام (يسمونها الألفية).
وقد تحدث ريغان نفسه في مقابلة صحفية عن إيمانه بهذه النظرية وقال:» أتمنى أن يكرمني الله بأن اضغط على الزر النووي حتى تقع هرمجيدون وأساهم بذلك في العودة الثانية للمسيح».
ولكن ريغان لم يضغط على الزر النووي.. عندما اصبحت الحقيبة (البسكوتية كما يسمونها في الولايات المتحدة) النووية طوع يديه..
أما ترامب فانه ينظر إلى العالم من زاوية مختلفة تماماً تتمثل في كراهية المسلمين والسود والمكسيكيين والمهاجرين الأجانب، علماً بأن أمه كانت مهاجرة من اسكوتلندة.
ومع هذه الكراهية المعلنة تتملكه ايضاً مشاعر الغضب لاتهامه هؤلاء ظلماً بأنهم وراء متاعب الولايات المتحدة الاقتصادية والمالية والأمنية.
فإذا بقي ترامب الرئيس هو نفسه ترامب المرشح للرئاسة، فان العالم كله قد يصبح على كف عفريت.. أما اذا تغيرت رؤية ترامب، كما تغيرت من قبل رؤية ريغان.. فان العالم يستطيع أن يتنفس الصعداء!!.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
19/01/2017
4253