+ A
A -
انتهت أعمال مؤتمر باريس العتيد بمشاركة (70 دولة + الأمم المتحدة + الاتحاد الأوروبي + جامعة الدول العربية + منظمة المؤتمر الإسلامي)، ببيانٍ فضفاض، إيجابي في جوهره، ومضمونه، مع بعض الالتباسات السياسية الجوهرية، التي ظَهَرَت بين أسطره وجُمَلِهِ، كما في ابتعاده كل البُعد عن وضع آليات العمل وفقدانه لـ (ميكانيزماته)، فبقي جُهداً دعاوياً، إعلامياً، تعزيزياً من جانب، وفاضحاً لحكومة نتانياهو وسياسات «إسرائيل» التوسعية الاستيطانية.
من جانب آخر، لا أكثر ولا أقل. فالمؤتمر لم يرتق إلى مستوى مؤتمر دولي للسلام الحقيقي، مؤتمر يسعى إلى ممارسة الضغط الجدي والفعّال على «اسرائيل» لإنهاء احتلالها، واحترام القانون والقرارات الدولية، والتوقف عن اعتبار ذاتها فوق القانون الدولي.
في الجانب الأول، من أعمال المؤتمر، وفي ايجابياته، أنه أظَهَرَ على الملأ توافق المجتمع الدولي، على رفض سياسة نتانياهو وسلوك «إسرائيل»، الساعية لنسف إمكانية قيام دولة فلسطينية. كما أظهر عزلة «إسرائيل» وخطابها السياسي المراوغ وانكشافه، خصوصاً وأن نتانياهو كان قد أطلق في مُستهَلِ جلسة الحكومة «الإسرائيلية» في يوم انعقاد مؤتمر باريس تصريحه الواضح والصارخ، معتبراً أن «مؤتمر باريس، هو مؤتمر عبثي، تم تنسيقه بين الفرنسيين والفلسطينيين بهدف فرض شروط على إسرائيل لا تتناسب مع احتياجاتها الوطنية».
وعلى الجانب الثاني، من الملاحظات النقدية، كان من نُقاطِ ضُعفِ البيان الصادر عن أعمال المؤتمر والتباساته، أنه رَبَطَ كل شيء بالمفاوضات الثنائية التي أفشلتها «إسرائيل» على الدوام، ويتوقع لها أن تُفشلها قادماً، ما دامت تتنطح للشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة وتَضرِبُ بها عرض الحائط، في ظلِ غياب الرعاية الدولية المتوازنة وغير المُنحازة.
إن الإصرار على اعتماد المفاوضات الثنائية وبلا شروط ودون رعاية دولية متوازنة وغير منحازة، كما جاء في بيان المؤتمرين في باريس، من شأنه أن يُبقي القضية الفلسطينية أسيرة لسياسات الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة، التي تُغلق طريق التسوية تماماً، بل وتحوّل المفاوضات لغطاءٍ سياسي لسياساتها الاستيطانية الاستعمارية، وغطاء لممارساتها الدموية والقمعية ضد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل.
أن ما جاء في البيان الختامي لأعمال المؤتمر، وفي التباساته ومفارقاته، أنه ساوى بين الاستيطان الاستعماري الإجلائي الذي أدانه قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2334) وبين حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل أشكالها لهذا الاستعمار الاستيطاني، باعتباره انتهاكاً فظاً لقرارات الشرعية والقوانين الدولية، في الوقت نفسه عائقاً رئيسياً للوصول إلى حل للصراع في المنطقة يكفل لشعب فلسطين حقه في دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
على كل حال، لنُركّز على إيجابيات المؤتمر، سعياً لتجاوز الالتباسات السياسية التي رافقت صياغة البيان التوافقي بين مُختلف الأطراف المُشاركة، والذي تحفّظت عليه بريطانيا.. ويا للعجب..! بدلاً من أن تُكفّر عن سيرتها التاريخية مع الفلسطينيين، باعتبارها المسؤول الأول عن نكبتهم الكُبرى عام 1948 ودمار كيانهم الوطني والقومي...
ومن مُنطلق التركيز على الإيجابيات التي تَمخّضت عن مؤتمر باريس، من المُهم مُتابعة الاتصالات العربية والفلسطينية، مع الدول الأوروبية التي شاركت بأعمال المؤتمر لدفعها من أجل الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، كما في السعي لفرض المقاطعة والعقوبات على نظام الاحتلال والتمييز العنصري «الإسرائيلي» كوسيلة لابد منها لدفعها للانصياع لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
20/01/2017
3445